لذلك أهمل "كونت" كل بحثٍ في العلل والغايات، وكل تفكير في الأسباب التي نتجت عنها مسبباتها، المدركة بالحس مباشرة، أو عن طريق العلوم التجريبية، وعلّق كلَّ ثقته وإيمانه بنتائج العلوم الطبيعية الحديثة.
* * *
(٢) زعم أن العقل البشري مر منذ تاريخه الأول حتى عصر العلوم التجريبية بحالات ثلاث:
الحالة الأولى: هي ما أسماها "الحالة اللاهوتية" التي كان دأْبُ العقل الإنساني فيها البحث عن كُنه الكائنات، وأصلها، ومصيرها، مُحاولاً إرجاع كل طائفةٍ من الظواهر إلى مبدأٍ مشتركٍ بعلل.
زعم أن هذه "الحالة اللاهوتية" تدرجت وفق ثلاث درجات:
(أ) أما الدرجة الأولى التي كانت في بَدءِ التصوّرات العقلية فيه "الفَتَشِيَّة -أو- الفِيتْشِيَّة".
وهي الإيمان بالأفتاش مفردها "فَتَش" وتُسمَّى أيضاً الْبُدُود، مُفْرَدُها "بُدّ" وعرَّفتها المعاجم بأنها الشياء التي كانت الشعوب البدائية تعتبر أن لها قدرةً سحرية، أو قدرةً غيبية غيرَ مدركة بالحواس، على حماية صاحبها، أو مساعدته.
أقول: إذن فهي كالأصنام والتمائم والأشياء الوثنية من حجارة وغيرها مما يؤمن أهل الأوثان بتأثيراتها الغيبية.
فالفَتَشِيَّةُ على هذا هي الإيمان بالأفتاش والأصنام وأشباهها، والتقرّبُ لها بالعبادة.
والعقيدة الفَتَشِيَُّ (أو الوثنية بالتعبير العربي) تَعْتَبِرُ أَفْتاشَهَا (أي: أوثانها على اخلاتف أشكالها وأنواعها) التي تَعْبُدُها كائناتٍ ماديةً من الطبيعة ذاتَ