يقول الماديون مقالاتهم بأفواههم لا بعقولهم وقلوبهم، إذ لا يوجد في أي مكتشف علمي صحيح أي دليل ينصر الفكر المادي المناقض لقضية الإيمان بالله الخالق المهيمن.
فلا دوران الأرض حول الشمس يعلل الكون وجوداً وتطوراً ونظاماً.
ولا أفكار النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعي لو صحت تعلل وجود الكون وتطوره ونظامه، إذ هي أيضاً بحاجة إلى تفسير وتعليل.
ولا النظرية النسبي، ولا علوم الذرة والطاقة، ولا سائر القوانين المكتشفة تصلح لتعليل وجود الكون، وتطوره، ونظامه، وإتقان صنعته، وظاهرة الحكمة المدركة من خلال كل شيءٍ فيه.
إنه لا يشفي العقول والصدور في تعليل هذا الكون إلا الإيمان بموجود أكبر أزلي أبدي، قدير عليم حكيم، يفعل ما يشاء ويختار، له كل صفات الكمال، وهو منزه عن كل صفات النقصان.
ويحاول الماديون الإقناع بصحة مذهبهم المادي، معتمدين في هذا الإقناع على أن اكتشاف النزر اليسير الذي اكتشف من السنن الكونية الجزئية التي يفسر الطبيعيون بها بعض الظاهرات الكونية، كافٍ في تعليل الكون كله، وفي تعليل ظاهرة الوجود الحادث كلها.
ويبين الربانيون أن الكون لا يمكن تعليله ببضع سنن اكتشفت من سننه، وهي أنفسها بحاجة إلى تعليل، ولا يزال العلم الإنساني بها ناقصاً وغامضاً، وغير كاشف لماهيات الأسباب والعلل، وما دامت الأسباب والعلل سنناً وقوانين لا تملك علماً ولا حكمة ولا إرادة ولا اختياراً، فإنها لن تكون كافية لتعليل تصاريف الكون المتقن المحكم الذي يتجلى فيه القصد، وتظهر فيه العناية.
إن التعليل مثلاً بالجاذبية، أو النشوء والارتقاء لو ثبت، أو بغير ذلك