وهذا ما نلاحظه عند فريق من فلاسفة اليونان، وعند الرومان، وعند اليهود، وعند كثيرين من شعوب الأرض، في أطوارها ذات التقدم الحضاري.
وفي هذا النظام يكون الاستيلاء التملكي مسلطاً على الأشياء والحيوان والإنسان.
ثانياً: ثم إذا خطت المجتمعات الإنسانية خطوات حضارية راقية، وظهر فيها مصلحون، أو طامعون ذوو قوى، أو ناقمون أصحاب حوْلٍ أو حيلة، وتمكن الواقعون تحت الاستعباد من تجميع قواهم، وتحرير أنفسهم وإرادتهم، فالذي يحصل هو أن يسرع الأذكياء المستبدون إلى استخدام الحيلة والقوة معاً، والتنازل عن بعض ما هم مستأثرون به من مالٍ وسلطان.
عندئذ يسترضي هؤلاء، بالحيلة والدهاء، رؤوس القوى الثائرة على نظام الاستعباد، فيشركونهم معهم في المال، وفي المنافع التي تتحقق عن طريق الاستئثار بالسلطان، كلٌّ بحسبه، ويصطلحون معهم عملياً على اقتسام المنافع، وتسهيل المصالح، مع احتفاظ ذي السلطان الأكبر بنصيب الأسد، وبشرط أن يضمن سكونهم وسكوتهم، أو ولاءهم ونصرتهم.
وعندئذ يظهر نظام الإقطاع، فيُقْطِعُ السلطانُ رؤوساً من القوم، إقطاعات من الأراضي، والولايات، والحيوانات، وسائر الثروات، ليضمن بذلك ولاءهم ونصرتهم له، أو سكونهم وسكوتهم عنه، باعتبارهم القوى القادرة على تحريك جماهير الناس ضده.
وكانت الأرض أهم الثروات التي يمنحها السلطان إقطاعات لمن يريد إقطاعه.
وتكون الإقطاعات عادة بحسب قيمة الممنوح لدى السلطان، وبحسب حاجته إلى ولائه ومناصرته، أو خوفه من تحركه ضده، باستثناء أولياء المحبة، فحظوظ هؤلاء من الإقطاعات دافعها المحبة.