للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢) بيان الدواعي

أمّا دواعي التعريف بالإِضافة الحقيقة فقد ذكر البلاغيون طائفة منها، وفيما يلي بيانٌ لها.

الداعي الأول: كون الإِضافة أخصر طريق وأوجزه، والمقام يقتضي الاختصار والإِيجاز.

ومن الأمثلة:

* قول جَعْفَر بن عُلْبَة الحارثِي:

هَوَايَ مَعَ الرَّكْبِ اليَمَانينَ مُصْعِدُ ... جَنِيبٌ وَجُثْمَانِي بِمَكَّةَ مُوثَقُ

عَجِبْتُ لِمَسْرَاهَا وَأنَّى تَخَلَّصَتْ ... إِلَيَّ وَبَابُ السِّجْنِ دُونِيَ مُغْلَقُ

ألَمَّتْ فَحَيَّتْ ثُمَّ قَامَتْ فَوَدَّعَتْ ... فَلَمَّا تَوَلَّتْ كَادَتِ النَّفْسُ تَزْهَقُ

فَلاَ تَحْسَبِي أَنِّي تَخَشَّعْتُ بَعْدَكُمْ ... لِشَيْءٍ وَلاَ أَنِّي مِنَ الْمَوْتِ أَفْرَقُ

وَلاَ أَنَّْ قَلْبي يَزْدَهِيهِ وَعِيدُهُمْ ... وَلاَ أَنَّنِي بِالْمَشْي في الْقَيْدِ أَخْرَقُ

وَلَكِنْ عَرَتْنِي مِنْ هَوَاكِ ضَمَانَةٌ ... كَمَا كُنْتُ أَلْقَى مِنْكِ إذْ أَنَا مُطْلَقُ

مُصْعِد: من "أصْعَدَ" إذا ارْتقى في أرضٍ آخذةٍ في العلوّ والارتفاع، وقد كان سجينا في مكة، فزارته التي يهواها، ثم سافرت مع الركب المتجهين مُصْعِدِين إلى جهة اليمن.

الْجَنِيب: ما يقادُ إلى الجنب من الخيل وغيرها، شبّه هواه الصاعد مع الركب بالدابة التي تُقَاد إلى جَنْبٍ من مقودها، فتكون مرافقة للرّكب، وقصده مَنْ يهوى، فهي هواه، قالوا: وحسَّنَ هذا الاختصار أنّ الشاعر ضائق وسجين.

كادَتِ النَّفْسُ تَزْهَقُ: أي: تخرج من جسده.

تَخَشَّعْتُ: تذلَلت وتضرّعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>