للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما يقوله هؤلاء، لم يكن للنفث ولا للنفاثات شر يستعاذ منه.

وأيضاً فإذا جاز على الساحر أن يسحر جميع أعين الناظرين مع كثرتهم، حتى يروا الشيء بخلاف ما هو به، مع أن هذا تغيير في إحساسهم، فما الذي يحيل تأثيره في تغييره بعض أعراضهم وقواهم وطباعهم؟، وما الفرق بين التغيير الواقع في الرؤية والتغيير الواقع في صفة أخرى من صفات النفس والبدن؟. فإذا غير إحساسه حتى صار يرى الساكن متحركاً، والمتصل منفصلاً، والميت حياً، فما المحيل لأن يغير صفات نفسه حتى يجعل المحبوب إليه بغيضاً، والبغيض محبوبا، وغير ذلك من التأثيرات، وقد قال تعالى عن سحرة فرعون أنهم ﴿سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم﴾ [الأعراف: ١١٦]، فبين سبحانه أن أعينهم سحرت، وذلك إما أن يكون لتغيير حصل في المرئي، وهو الحبال والعصي، مثل أن يكون السحرة استغاثت بأرواح حركتها، وهي الشياطين، فظنوا أنها تحركت بأنفسها، وهذا كما إذا جرَّ من لا تراه حصيراً أو بساطاً، فترى الحصير والبساط ينجر، ولا ترى الجارَّ له، مع أنه هو الذي يجره، فهكذا حال الحبال والعصي، التبستها الشياطين، فقلبتها كتقليب الحية، فظن الرائي أنها تقلبت بأنفسها، والشياطين هم الذين يقلبونها، وإما أن يكون التغيير حدث في الرائي، حتى رأى الحبال والعصي تتحرك، وهي ساكنة في أنفسها، ولا ريب أن الساحر يفعل هذا وهذا، فتارة يتصرف في نفس الرائي وإحساسه، حتى يرى الشيء بخلاف ما هو به، وتارة يتصرف في المرئي باستغاثته بالأرواح الشيطانية، حتى يتصرف فيها» (١).

مناقشة تفسيرهم للآية:

إن تفسيرهم للآية، وهو ما ذكره الجصاص، وغيره (٢)، بأن الحبال والعصي


(١) انظر: بدائع التفسير لابن القيم (٥/ ٤١١ - ٤١٢)، وبدائع الفوائد له (٢/ ٢٢٧ - ٢٢٨).
(٢) انظر ما سبق في ص (١٠٨).

<<  <   >  >>