للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء وليس بسحر، فخروا سجداً، وقالوا:

﴿آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون﴾، ونحوه قول السدي، وقتادة، وابن إسحاق، وابن أبي بزة (١) (٢).

﴿فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون﴾، أي: فظهر الحق، وتبين لمن شهده وحضره في أمر موسى وأنه لله رسول يدعو إلى الحق ﴿وبطل ما كانوا يعملون﴾، من إفك السحر وكذبه؛ ﴿فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين﴾، أي: فغلب موسى فرعون وجموعه «هنالك» عند ذلك، «وانقلبوا صاغرين» أي: انصرفوا من ذلك الموقف، «صاغرين» ذليلين مقهورين، قد اضمحل باطلهم، وتلاشى سحرهم، ولم يحصل لهم المقصود.

﴿وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون﴾، أي: خروا على وجوههم سجداً لربهم قائلين: صدقنا بما جاءنا به موسى، وآمنا بربنا رب العالمين، ثم لم يكتفوا بذلك حتى قالوا: ﴿رب موسى وهارون﴾ لئلا يتوهم متوهم من قوم فرعون المقرين له بإلاهيته أن السجود له.

وأجابوا للحق مسرعين، لأنهم يعرفون من السحر وأنواعه وجزئياته ما لا يعرفه غيرهم، فعرفوا أن هذه آية عظيمة من آيات الله لا قدرة لأحد بها.

﴿قال فرعون آمنتم به﴾، أي: قال لهم فرعون متوعداً ومهدداً لهم على الإيمان أصدقتم موسى وأقررتم بنبوته، ﴿قبل أن آذن لكم﴾ بالإيمان به. وهذا دليل أنه كان طاغية حاكما مستبداً على أديانهم وأقوالهم، فقد تقرر عنده


(١) هو القاسم بن أبي بزّة - بفتح الموحدة وتشديد الزاي المكي مولى بني مخزوم القارئ، ثقة، أخرج له الجماعة، ومات سنة خمس عشرة ومائة. انظر ترجمته في: التقريب ص (٧٩٠).
(٢) انظر: تفسير الطبري (١٣/ ٢٩، ٣٠)، وتفسير ابن كثير (٣/ ٤٥٧).

<<  <   >  >>