وقوله تعالى:{قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ}: {بَلْ} للإِضْراب الإِبْطاليِّ، يَعنِي: بل لا نَتَّبع ما أَنزَل اللَّه تعالى، وإنما نَتَّبع ما وجَدْنا عليه آباءَنا، واللَّهِ! هذا مُعارَضة حَقٍّ بباطِل؛ لأنهم الآنَ عدَلوا عمَّا أَنزَل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلى الآراء فقَطْ والأهواء:{مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} ولو كان شِرْكًا، وأيضًا لو كان طاعة، فلو كان طاعةً يَكون اتِّباعُهم لما عليه آباؤُهم؛ لا لأنه شَرْع، ولكن لأنَّ عليه آباءَهم؛ فحينئذ لا يَكون اتِّباع آبائِهم في هذه الحالِ اتِّباعًا للشَّرْع، ولا اتِّباعًا محَمودًا.
وعلى هذا فنَقول فيمَن دُعِيَ إلى الكِتاب والسُّنَّة، وقال: أنا أُريد أن أتَبع فلانًا -الإمامَ الفُلانِيَّ أو العالِمَ الفُلانيَّ- مع بيان السُّنَّة ووُضوحها: إنه يَكون مُشابِهًا لهؤلاء المُشرِكين.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}: {أَوَلَوْ كَانَ} هذا استِفْهام يَتْلوه حَرْف عَطْف، وقد تَقدَّم لنا مِرارًا وتَكرارًا أنَّ حرف العَطْف إذا وَلِيَ استِفْهامًا ففي إعرابه قَوْلان:
أحدُهما: أنَّ همزة الاستِفْهام دخَلتَ على مَحذوف عُطِف عليه ما بعد حَرفْ العَطْف، ويُقَدَّر هذا المَحذوفُ بحسَب السِّياق، وعلى هذا؛ فهَمْزة الاستِفْهام في مَكانها، والمُستَفهَم عنه -يَعنِي: مَسؤول الاستِفْهام- مَحذوف.
والقول الثاني: أن الواو حَرْف عَطْف، والمعطوف عليه ما سبَق، ومَحلُّ الهمزة بعد حَرْف العطف، وقلنا: إنَّ هذا أهوَنُ من الأوَّل، فالأوَّلُ: أبلَغُ في التَّقعيد وهذا أَسهَلُ، ووجه سُهولته: أنَّ الأوَّل قد يَخفَى على الإنسان ماذا يُقدِّره، وربما يَصعُب أحيانًا تَقدير شيء مُناسِب، وأمَّا هذه فلا تَحتاج إلى شيء فتكُون مَعطوفة على ما سبَق.