للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (٢٤)]

* قالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: ٢٤].

* * *

قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {نُمَتِّعُهُمْ} يَعنِي: نَجعَلهم يَتَمتَّعون، يَأكُلون ما شاؤُوا، ويَلبَسون ما شاؤُوا، ويَركَبون ما شاؤُوا، ويَسكُنون ما شاؤُوا، ويَتنَعَّمون بكل نعيم الدنيا، ولكنَّ هذا قليل وقليل وقليل، يَقول الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكمْ فِي الجَنَّةِ خَير مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" (١)، فمَوضِع السَّوْط خير من الدُّنْيا، وليسَت هي دُنياك التي أنت فيها فقط، بل من أوَّلهِا إلى آخِرها: "مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".

فهؤلاء -والعِياذُ باللَّه- يُمتَّعون قليلًا، وما أقلَّ الدنيا ومَتاعَها! كلُّ ما مضَى من الدنيا إلى ساعَتِك الحاضِرة كأنه لم يَكُن، كأنه أضغاث أحلام؛ يُعَمَّر الإنسان فيها ما يُعَمَّر، ومع ذلك يوم يَرَوْن ما يُوعَدون؛ قال تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ} [يونس: ٤٥]، فيُمَتَّعون قليلًا.

والقِلَّة هنا باعتِبار نَوْع المَتاع، وباعتِبار زمَنه؛ فنَوْع المَتاع بالنِّسْبة لمَتاع الآخِرة قليل جِدًّا، وليس يُنسَب، قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "لَيسَ في الدُّنْيا مِمَّا في الآخِرة


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل اللَّه، رقم (٢٨٩٢)، من حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>