للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنه وإن لم يَعلَمِ الخَلْقُ؛ فاللَّه تعالى يَعلَم مَهمَا تَكتُمِ الشيءَ، فإن اللَّه تعالى يَعلَمه؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنه يَنبَغي للإنسان مُراقَبة اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دائِمًا؛ لقوله تعالى: {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ ولهذا جاء في الحديث: "أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَكَ حَيْثُما كُنْتَ" (١)؛ لأنك إذا علِمْت بذلك، وأَيْقَنْت به، أَوْجَب لك ذلكَ مُراقَبةَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ والرَّغْبة إليه، وأن تَكون هِمَّتُك دائمًا في طلَب ما يُرضِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فإذا كان الإنسانُ يُؤمِن بهذا الأمرِ، وبمُراقَبة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لمَا في قَلْبه؛ فإنه لو هَمَّ بمَعصية في أَخفَى ما يَكون في الأرض، فسيَردَعه ذلك الإيمانُ عن هذه المَعصيةِ؛ ولهذا حِماية الإيمانِ لمُعتَنِقيه أعظَمُ بكَثير من حِماية السُّلُطات لما تُوجِّهُ إليه؛ فالشَّعْب المُؤمِن لا يَحتاج إلى مُراقَبة السُّلُطاتِ؛ لأنه يَعلَم أنه مُراقَب من قِبَل مَن يَعلَم خائِنة الأَعْيُن وما تُخفِي الصُّدور؛ لكن إذا ضعُف الإيمان احتاج إلى قُوَّة السُّلْطان، فإِنْ ضَعُف الإيمان والسُّلْطان فسَدَتِ الأَدْيانُ والبُلْدان؛ فإذا اجتَمَعَتِ القُوَّتان: قوَّةُ الإيمان وقوَّةُ السُّلْطان؛ فهذا هو الكَمال، وإن ضَعُفا جميعًا فهذا هو الهَلاك، وإن ضعُف أَحَدُهما دون الآخَر ففيه حَياة ومَوْت.

* * *


(١) أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (٨٧٩٦)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة رقم (١٦٨٦)، والبيهقي في شعب الإيمان (٧٢٧)، من حديث عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>