قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} فما دام هو الربُّ فهو الخالِق، وما دامَ هو الخالِق فيَجِب أن يَكون هو الذي يُتَّقى؛ فكأنه يُعلِّل الأمر بالتَّقوى:(اتَّقُوا رَبَّكُم؛ لأنه ربُّكم الذي أَوْجَدكم وأَعَدَّكم وأَمَدَّكم) فهنا إيجاد وإعداد وإنزال، فاللَّه تعالى (أَوْجَد) الناس، و (أَعَدَّهم): هَيَّأَهم لما يَنبَغي أن يَكونوا عليه، و (أمَدَّهُم): أمَدَّهم بالعُقول وأمَدَّهم بالرسُل التي جاءَت بشريعة اللَّه تعالى.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي} لا يُغنِي {وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} فيه شَيئًا] قوله تعالى: {وَاخْشَوْا يَوْمًا} الخَشْية تَقدَّم لنا أنها أخَصُّ الخَوْف، لأنها تَكون مع العِلْم بحال المَخشِيِّ؛ لقوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}[فاطر: ٢٨]؛ ولأن سبَبها قُوَّة المَخشِيِّ، وأمَّا الخَوْف سبَبه ضَعْف الخائِفِ -وهذا هو الغالِب- أمَّا الخَشْية فأخَصُّ، يَعنِي: اخشَوْا هذا اليومَ العَظيمَ الذي صِفَته كيت وكيت، وقد بيَّنَه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.