للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُغنِي؛ فلا أحَدَ يَستَطيع أن يَدفَع عن أولاده شرَّ ذلك اليومِ ابدًا مع أنه بالدنيا يُغنِي عنهم ويُدافِع ربَّما يُلقِي بنَفْسه للتَّهْلكة من أَجْل حَياة أولاده، لكن في الآخِرة لا؛ بل إنه كما قال: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: ٣٤ - ٣٦]؛ يفرُّ منهم خَشيةَ أن يَتَعلَّقوا به بتَقْصير حَقٍّ قصَّر فيه نحوهم؛ قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: ١٠١]، فلا أَحَدَ يُسأَل عن أحَد، فكُلٌّ يَقول: نَفْسي نَفْسي؛ لأن الأمر عظيم، إذِ الجِبال تَندَكُّ حتى تَكُون كثيبًا مَهيلًا، ثُمَّ بعد ذلك تَكون كالعِهْن المَنفوش، ثُم تَتَطاير وتَكون هَباءً مَنثورًا هَباءً يَطير في الجوِّ، فالأمرُ أَعظَمُ من أن يُغنِي أو أن يَجزِي والِدٌ عن والِده شَيْئًا.

وكلِمة {وَالِدٌ} نكِرة في سِياق النفي، يَشمَل الأبَ والجَدَّ والأُمَّ والجدَّة وإن علَوْا؛ وقوله تعالى: {عَنْ وَلَدِهِ} أي: الذَّكَر والأُنْثى؛ لأن الولَد يُطلَق على الذَّكَر والأُنثَى في اللغة العرَبية؛ قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١].

وقوله تعالى: {مَوْلُودٌ} يَجوز في إعرابِها وَجْهان:

١ - أن تَكون مُبتَدَأ و {هُوَ جَازٍ} الجُمْلة هذه خبَرُ المُبتَدَأ، فـ {مَوْلُودٌ} مُبتَدَأ، و {هُوَ} مُبتَدَأ ثانٍ و {جَازٍ} خبَر المُبتَدَأ الثاني، والجُمْلة من المُبتَدَأ الثاني وخبَرِه في محَلِّ رَفْع المُبتَدَأ الأوَّل؛ وسَوَّغ الابتِداءَ بالنَّكِرة في قوله تعالى: {وَلَا مَوْلُودٌ} أنها وارِدة في مَقام التَّقسيم.

٢ - ويَجوز أن يَكون قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا مَوْلُودٌ} مَعطوفًا على قوله تعالى: {وَالِدِهِ} يَعنِي: ولا يَجزِي مَولود.

فعلى الوجهِ الأوَّلِ: لا إشكالَ فيه في المَعنَى، لكن فيه إشكال في تَغيير النَّظْم،

<<  <   >  >>