للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {لِلْمُحْسِنِينَ} يُستَفاد منه أنه كلَّما ازداد الإنسان إحسانًا ازداد انتِفاعًا بالقُرآن بالهِداية والرحمة، بِناءً على القاعِدة: أنَّ الحُكْم إذا عُلِّق بوَصْف كان يَقوَى بحسَب وجود ذلك الوَصْفِ.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} فهل غير المُحسِنين لا يَهتَدون به ولا يُرحَمون؟

الجَوابُ: نعَمْ؛ لأن المُحسِنين هم الذين يَنتَفِعون بذلك، وإلَّا فهو هُدًى للناس كلِّهم مَصدَر هِداية للجَميع، لكن لا يَنتَفِع به إلَّا الذين أَحسَنوا.

قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [وفي قِراءة العامة بالنَّصْب حالًا من الآيات] غَريبٌ هذا التَّعبيرُ من المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فقوله: [وفي قِراءة العامَّة] يَفهَم منه مَن لا يَعرِف الاصطِلاح أن المُراد بالعامَّة عامَّة الناس، ما سِوى العُلَماء، وهذا ليس كذلك، إنما المُراد بالعامَّة عامَّة القُرَّاء ما عدا قارِئًا واحِدًا الذي قرَأَ بالرَّفْع؛ فقال: [بالنَّصْب حالًا من الآيات، العامِل فيها ما في {تِلْكَ} ومِن مَعنَى الإشارة].

فقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} حالَ كونها {هُدًى وَرَحْمَةً}، فإذا قال قائِل: الحال تَحتاج إلى عامِل مثل: الظَّرْف والجارِّ والمَجرور والمَفعول به، فما هو العامِل؟

فالجَوابُ: العامِل فيها ما في {تِلْكَ} من مَعنَى الإشارة؛ فـ {تِلْكَ} اسمٌ جامِد غير مُشتَرَط، لكنه بمَعنَى: أُشير، فإذا قلت: هذا زيدٌ. المَعنَى: أُشيرُ إليه، فـ {تِلْكَ آيَاتُ} بمَعنَى: أُشير إلى هذه الآياتِ، فلمَّا كانت مُتضَمِّنة لمَعنَى الفِعْل صارت صالحِة لأَنْ تَكون عامِلًا في الحال.

<<  <   >  >>