للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {لَيَقُولُنَّ} جَواب القسَم، قال المُفَسِّر: [حُذِف منه نون الرَّفع؛ لتَوالِي الأمثال، وهو الضمير لالتِقاء الساكِنَيْن] أصله: (لَيَقولُونَن)، هذا أصلُه؛ لأن هذا فِعْل مُضارع من الأفعال الخمسة، لا بُدَّ فيه من الواو والنون، فنَقول: ليَقولون. وإذا أَرَدْت أن تُؤكِّد المَعنَى: (ليَقولُونَنَّ)، فاجتَمَع عِندنا ثلاثُ نونات كلُّهن زائِدات، ونَفصِل بينهن بحُكْم، يَقول: إن حذَفْنا نون الرَّفْع بَقِيَت نونُ التوكيد، وإن حذَفْنا نون التوكيد بقِيَت نون الرَّفْع؛ فنَحذِف نون الرَّفْع لسبَبَيْن:

السبَب الأوَّل: أنَّ نون الرفع اعتِيدَ حَذْفُها، فيما إذا كان الفِعْل مَنصوبًا أو مَجزومًا، بل إنها قد تُحذَف في غير حالَي النَّصْب والجزْم، فتُحذَف للتَّخفيف، كما في قول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةِ حَتَّى تُؤْمِنُوا" (١) "لَا تَدْخُلُوا" هذه ليس فيها لا ناصِبٌ ولا جازِمٌ، حُذِفَت للتخفيف، وأصله: (لا تَدْخُلونَ) حُذِفَت النون للتخفيف.

السبَب الثاني: أن النون تُحذَف مع الوِقاية كثيرًا؛ إِذَنْ فهي أحقُّ بالحذف، فتَبقَى نون التَّوْكيد؛ لأننا لو حذَفْنا نون التوكيد فات المَقصود، ونحن نُريد أن نُؤكِّد الفِعْل، وتوكيد الفِعْل هنا واجِب؛ لأنه مُثبَت، في قَسَم، مُستَقبَل، لم يُفصَل بين لامه وبين فِعْله؛ فيَكون تَوكيدُه واجِبًا.

أمَّا الواو مع نون التَّوْكيد، الواو ساكِنة ونون التوكيد مُشدَّدَة، فالحرْف الأوَّل منها ساكِن، فاجتَمَع ساكِنان، ولا يُمكِن اجتِماع ساكِنَيْن؛ لأن السُّكون والحرَكة نَقيضان، فلا يُمكِن أن يَجتَمِع الشيء ساكِن وساكِن، فإذًا لا بُدَّ من أن نَعمَل عمَلًا


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، رقم (٥٤)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>