للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا عابِدُ هُبَل ولا غيرها من الأصنام؛ فلا يُمكِن أن يَدْعوَ الأصنام في هذه الحالِ؛ لأنه يَعرِف أنها لا تُنقِذُه، وإنما يَدعو اللَّه تعالى مخُلِصًا له الدِّينَ.

وقوله تعالى: {لَهُ الدِّينَ} المَقصود به [أي: الدُّعاء بأن يُنجِّيهم أي: لا يَدْعون معَه غيرَه] أَخَذ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ قولَه: [دونَ غيرِه] من قوله تعالى: {مُخْلِصِينَ}؛ لأن الإخلاص بمَعنَى التَّخليد يَعنِي: أنه يُجعَل لهذا الشيءِ وحدَه؛ كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البيِّنة: ٥]، فهُمْ في هذه الحالِ يَعرِفون اللَّه تعالى ويَدْعونه، وهذا يَدُلُّ على أن شِرْك مَن سبَق أخَفُّ مِن شِرْك مَن لَحِقَ، فهناك أُناس الآنَ إذا غَشِيهم مَوْج كالظُّلَل أو أَصابَتْهم الضَّرَّاء مَن يَدْعون مَخلوقًا، فتَجِده بدَلًا من أن يَقول: اللَّهُمَّ أَنقِذْني! يَقول: يا عليُّ أَنقِذْني! يا عبدَ القادِر أَنقِذْني! يا فلانُ أَنقِذْني! فصار شِرْك هؤلاءِ أقبَحَ من شِرْك الأوَّلين؛ لأن الأوَّلين يَعرِفون الحَقَّ إذا أَصابَتْهمُ الضرَّاء، وأنه لا يَكشِف هذه الضَّرَّاءَ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأَمَّا هؤلاءِ فإنهم يَزدادون عمًى إلى عَماهُمْ.

ومن المَعلوم أنه لا يُمكِن أن يَكشِف به مِن الضَّرَّاء لا عَبْدُ القادِر ولا البدَويُّ ولا عليُّ بن أبي طالِب -رضي اللَّه عنه- ولا غيرهم؛ بل كلُّ هَؤلاءِ -وهُمْ بأنفسهم- لو أصابَتهم الضَّرَّاءُ ما استَطاعوا أن يَكشِفوها عن أنفسهم، فكيف يَكشِفونها عن غيرهم، وهذا مع أنهم قد ماتوا وانقَطَع الرجاء بهم من كل وَجْه؛ لكن لو كانوا أحياءً حاضِرين ربَّما يَستَعين الإنسان بهم، فيَنتَقِل، لكن إذا كانوا أمواتًا فلا يُمكِن أن يَستَغيث بهم إلَّا جاهِلٌ، ولا يُمكِن أن يَأتِيَ عليُّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- من قَبْره من أَجْل أن يُنقِذَك أو عبدُ القادر يَأتِي من قَبْره لأَجْل أن يُنقِذك أو البدويُّ من قَبْره لأَجْل أن يُنقِذك، أو غيرهم ممَّن يُدْعَى عند الشدائِد ليُنقِذ! ! واللَّه أَعلَمُ.

<<  <   >  >>