للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ جَرَّائِي"، أي: من أَجْلي.

فهذا هو الفَصْل في الخِلاف: هل التَّرْك فِعْل وعمَل أم لا؟ نَقول: التَّرْك ليس بفِعْل ولا عمَل إلَّا إذا اقتَرَن به نِيَّة، فإنه إذا اقتَرَن به نِيَّة صار فيه كفّ للنَّفْس، وحينئذ يَكون بهذا الاعتِبار عمَلًا.

وقوله تعالى: {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}: {لَهُمْ} خبَر مُقدَّم، و {جَنَّاتُ النَّعِيمِ} مُبتَدَأ مُؤخَّر، والجُملة من المُبتَدَأ والخبَر في محَلِّ رَفْع خبَر (إنَّ).

وقوله تعالى: {جَنَّاتُ} جَمْع جَنَّة، وجُمِعت باعتِبار أنواعها، وكذلك تُجمَع باعتِبار مَراتبها، والجَنَّة في اللغة هي: البُستان كثير الأشجار، سُمِّيَت بذلك؛ لأنها تَجِنُّ مَن كان فيها. أي: تَستُرُه وتُغطِّيه، ولهذا سُمِّيَت جَنَّة.

أمَّا الجنَّة التي وُعِد المُتَّقون، فإنها: (الدار التي أَعدَّها اللَّه لأَوْليائه، فيها ما لا عَيْنٌ رأَتْ، ولا أذُن سمِعَت، ولا خطَرَ على قَلْب بشَر).

فيَنبَغي أن تُعرَّف الجَنَّة التي وُعِد المُتَّقون بهذا، لا يُقال: إن الجنَّة هي الحائِط الكثير البُستان؛ لأنك إذا قلت هذا في تَعريف الجَنَّة التي وُعِد المُتَّقون لا تَشعُر بأن لها من المَقام والعظَمة ما كنت تَتخَيَّله من قبلُ، ولكنك تَقول: (هي دار النَّعيم التي أَعَدَّها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للمُتَّقين، فيها ما لا عَينٌ رأَتْ، ولا أذُن سمِعَت، ولا خطَرَ على قَلْب بشَرٍ).

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {جَنَّاتُ النَّعِيمِ}، النَّعيم كلِمة جامِعة، تَشمَل سُرور القَلْب، وتَرَف البدَن، فالإنسان مُنعَّم فيها، في ظاهِره وباطِنه، أمَّا في الدنيا فلا يُمكِن أن يَجتَمِع الأمران، فالغالِب أن مَن تَنَعَّم بدنُه فإن قلبه يَغتَمُّ بحُزْن وعَذاب، ومن الناس مَن يُجمَع له بين الأمرين -والعِياذ باللَّه- أمَّا أهل الجَنَّة فإنهم جمَع اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم

<<  <   >  >>