للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} الحِكْمة في الأصل هي مُوافَقَةُ الصواب.

وبمَعنَى هذا قولهُم: إنَّها وَضْعُ الأشياء في مَواضِعِها، فصَاحِبُ الرأي الرشِيد والتَّصَرُّفِ السَّدِيد هذا يُعْتَبرُ حَكِيمًا؛ لأنَّه يَضَع الأشياءَ في مَواضعها؛ وهما بمَعنًى واحِد؛ لأن مُوافقَة الصواب هو وَضْع الشيء في مَواضِعه.

يَقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [منها العِلْم والدِّيانة والإِصابة في القول] الأوَّل: العِلْم تُنال به الحِكْمة، والثاني: الدِّيانة حِكْمة، والثالِث: الإصابة في القول أيضًا حِكْمة، وكذلك الإصابة في الفِعْل حِكْمة.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [وحِكَمُه كثيرةٌ مَأْثورة، كان يُفتِي قبلَ بِعْثة داودَ، وأَدرَك بِعثتَه، وأَخَذَ عنه العِلْم، وترَك الفُتْيا، وقال في ذلك: أَلَا أَكتَفي إذا كُفِيت. وقيلَ له: أيُّ الناس شَرٌّ؟ قال: الذي لا يُبالي إن رآه الناس مُسِيئًا] قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [كُفِيت] هذه مِن الحِكْمة، فإنَّ الإنسان إذا كُفِيَ يَكتَفي؛ لأنه إذا كُفِيَ ثم عَمِل بما كُفِيَ فيه لم يَكُن مِنه إلَّا إضاعة الوَقْت والتعَب.

وأمَّا قوله رَحِمَهُ اللَّه: [أيُّ الناس شَرٌّ؟ فقال: الذي لا يُبالي إن رآه الناس مُسيئًا] هذا قد يُنازَع فيه؛ لأن هذا الذي لا يُبالي إن رآه الناس مُسِيئًا يُعتَبَر فاقِدَ الحَياءِ فقَطْ، ولا يُعتَبر شرَّ الناس، بل شرُّ الناس -في الواقِع- هو الذي يُشرِك باللَّه عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّ هذا أَظلَم الناس فيَكونُ شرَّ الناس.

ثُمَّ إن هاتين الجُمْلتين قد تَكون صحيحة إلى لُقمانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وقد تَكون غير صحيحة، يَعنِي: لا يُجزَم بها؛ لأنه ليس هناك سَنَد صَحيح إلى لُقمانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَّصِل، ولم يُخْبِر النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بذلك عنه، ومِثْلها جميع الأخبار السابِقة إذا لم تَكُن

<<  <   >  >>