للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنَّ الإنسان يجِد مِن نفسه أنَّه لو شَبِع وامتلأ بطنُه يتعب معَ أنَّ هذا الغذاء يُمِدُّهُ بِالطَّاقَة، فكَيف بالجنينِ الذي يملأُ بطنَها ويأكُل مِن طاقتِها -لأنَّه يتغذَّى مِن غِذائِها-؛ فيكون هذا أشدّ وأعظَم؛ لأنه جامعٌ بيْن الإثْقال وبيْنَ المُشَاركة في الغِذاء؛ ولهذا تَحتاجُ المرأة الحامِل إلى غِذاءٍ أكثَرَ، ومِن ثَمَّ أَباحَ الشرعُ لها أن تُفْطِر في رمضانَ؛ مِن أَجْل ألَّا يَنْقُصَ الغِذاءُ عليها فَتَتَعَب هِي ويَتَضرَّر الجنين، وهذه مِن حِكمةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، كذلك أيضًا يَلحَقها وَهَنٌ عِنْد الطَّلْق، فالطَّلْق يُؤْلم ويُوجِع فليس بالأمرِ الهَيِّن؛ لأنَّ الطَّلْق -بإذنِ اللَّه- يَأتي مِن أَجْلِ أن يَنْقِلَب الجنين حتى يَسْتَعِدَّ للخُرُوج.

فإن وَضْعَ الجنِين في بَطْنِ أُمِّه: أنَّ رأسَه إلى جِهَة رأسِ الأُمِّ، ووجهُه إلى جِهَة ظهْرِ الأُمِّ، وظَهرُه إلى جِهَة بَطنِها، فهو مُعَاكِسٌ لأُمِّه في الاستِقْبَال، وهذه حِكْمة؛ لأنَّه إذا كان وجهُه إلى الظَّهْر صارَ الظَّهْرُ حاميًا لَه؛ لأنَّه عِظَام يَحْمِي وجهَ الجَنين، لو كان وجهُ الجنين إلى وجهِ أمِّه فليس هناك شيءٌ يَحمِيه، وكان أدْنَى ضَرْبة -مثَلًا- أو شَيء تُصِيب وجهَه، لكن مِن حِكْمةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أنَّه جعَلَهُ هكذا.

ولذلك قال العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ: لو ماتَتِ امرأةٌ كافِرة كِتَابِيَّة حامِلٌ بِولدٍ مِن مُسْلِم تُدْفَن على جَنْبها الأَيسَر، إن أَمكَن أن تُدْفن وحدَها لا في مَقابِرِ المُسلِمين، ولا في مَقابرِ الكُفَّار فهو أَوْلى، فإِنْ تَعذَّر، فإنَّها تُدفَن في مَقابرِ المُسْلِمين على جنبِها الأيسَرِ؛ لِيكُون الولَد على الجَنْب الأَيْمن مُستَقبِل القِبْلة.

فالطَّلْق يَحصُل عند انطِلاق هذا الولَدِ، هذا الولَدُ سيَنْقلِب عِند الوضْع لِأجْل أن يَكون رأسُه هو الأسْفَل حتى يَخرُج، وأوَّل ما يَخرُج مِن الجنين هو الرأسُ، وتَتَألَّم مِن هذا الطَّلْقِ بِلا شَكٍّ، ثُمَّ عند الوَلَادة أيضًا تتَألَّم ويَلحَقُها ضَعْف، ورُبَّمَا يَلحَقُها إغماء وتَعَب، وربما تَمُوت، فاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُذَكِّرُ الإنسان حالَ الأُمِّ في هذه الأحوالِ

<<  <   >  >>