للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكنِ الأمُّ لمَّا كانت ضَعيفَةً، ورُبما يَتهاوَن الإنسانُ بِحقِّها ذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِن أحوالها ما يَكونُ سببًا لِقيام الابْنِ بِواجبِه.

وهذا تَرَوْنَه كثيرًا في القرآن، فالشيءُ الذي يُخشَى فيه التَّهاوُن يُؤَكَّد؛ مثال ذلك: الوصِيَّة والدَّيْن في التَّرِكَة، فالدَّينُ يُقَدَّم عَلى الوَصِيَّة بالإجماع، ومع ذلك ذَكَر اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الوصِية في آياتِ المَوارِيث قَبل الدَّيْن، وقدَّمها في الذِّكْرِ على الدَّيْن؛ لأنَّ الوَصِيَّة حقٌّ قَد يَتَهَاوَن بِه الوَرَثَة، والدَّيْن لا يَتَهاوَن بِه الوَرَثَة، فورَاءَه مَن يُطالِب بِه، وهو صاحِبُه، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد يَدْعَم الأشياء التي يُخشَى فيها التَّهاوُن بِأوصافٍ تَحمِل على القِيام بما يَنبَغي أن يَقومَ به.

فهنا لمَّا كانتِ الأُمُّ ضعيفةً، وكان الإنسان قد يَعتَدِي عليها وعلى حقِّها أكثَرَ ذَكَرَ اللَّه تعالى مِن أسباب بِرِّهَا الموجِبَة ما لم يَذكُرْه في حقِّ الأبِ، وأَظُنُّنا كُلنا يَعلَم أنَّ الابِن قَد يَعتَدِي على أُمِّه بالسَّبِّ والشَّتْم، وربَّما بالضَّرب، لكن على أبيه لا يَستَطِيع، ولا يَعتَدي عليه بمِثْل اعتِدائِه على أُمِّه، وإذا لم يَقُم بحَقِّه فإنَّ أباه يَفرِضُ ذلك عليه؛ فلهذا ذَكَرَ اللَّه تعالى هذه الصِّفاتِ في الأُمِ؛ ليَكونَ حَثًّا لنا على القيام بحَقِّها.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: عِنَاية اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بمُعامَلةِ الوالِدين؛ ولهذا أَوْصَى بها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِيَّة.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنه سبحانه أَرْحَمُ بالوالدين مِن أولادهما؛ لأنَّ اللَّه تعالى أَوْصى الأولاد بالوالِدين.

إِذَنْ: فهو أرحَمُ بالوالدين مِن الأولاد، كما قلنا في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ

<<  <   >  >>