للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنَّ العِبْرَة بعُمُوم اللَّفْظ، فهنا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} جعَل اللُّطْف بالاستِخْراج، والخِبْرة بالمَكَان، والصَّواب أنها أعمُّ مِن ذلك، فإنَّ اللطيف مِن أسماءِ اللَّه تعالى، قال ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ:

وَهْوَ اللَّطِيفُ بِعَبْده وَلعَبْده ... وَاللُّطْفُ فِي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ (١)

فاللَّه تعالى لَطيفٌ بعَبْده ولطيفٌ لعَبْدِه:

اللُّطفُ الأوَّل: إدرَاك أسرَارِ الأمُور وخَفَايا الأمور.

والثاني: اللُّطْفُ عند مَواقِعِ الإحسان -الذي هو الإحْسَان إلى العَبْد- يَلْطُف له بمَعنَى: يُقَدِّم له مِن الإحسان ودَفْع السُّوء ما لا يَعلَمُ به، فيَكون قوله تعالى: {لَطِيفٌ} يَتعَدَّى بالباء، ويَتعَدَّى باللَّام، فإِنْ تَعدَّى بالباء فهو بمَعنَى: العِلْم بِخَفَايا الأمُور، وإن تَعدَّى باللَّام لَطِيفٌ لَهم فهو بمَعنَى الإحسان بِجَلْب المَطْلُوب، ودَفْع المكرُوه أو المَخُوف، قال اللَّه تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يوسف: ١٠٠]، هذا قول يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَعنِي: ومن لُطْفِه أن يَسَّر الاجْتِمَاع بِكُم بعد الفِرَاق {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: ١٠٠].

فالحاصِلُ: أنَّ اللطيفَ مِن أسْمَائِه تعالى، ولَه مَعْنيَان حسَب ما يُتَعَدَّى به: إِنْ تَعَدَّى باللَّام {لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} فمَعْناه: الإحسان، وإن تَعَدَّى بالبَاء فمَعناه: العِلْم بالخَفَايا، فهو لِكمالِ عِلمِه لَطِيف، كُلُّ شي؛ يَعلَمُ به.

هناك مَعنًى ثالِثٌ -لكن ما لا نَدرِي هل يَنطَبِق على أوصَاف اللَّه تعالى أم لا؟ - اللطيف هو الرَّقيق عند الناس يَقولون: فُلان لطيف، يَعنِي: رقيق حَسَنُ الخُلُق،


(١) النونية (ص ٢٠٧).

<<  <   >  >>