للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما في الحديث: «إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، ألا فضيِّقوا مجاريه بالجوع» (١)، فإذا سُدّ مجاريه لم يدخل فيه، فلم يكن سببٌ للعصيان، الذي هو سبب دخول النِّيران.

«والصدقة» أي: نفلها؛ لأنّ فرضها ذُكِر قبلُ، «تُطفِئُ» [أي: ] (٢) تمحو، «الخطيئةَ» أي: الصغيرة المتعلِّقة بحق الله، أما الكبيرةُ فلا يمحوها إلا التوبة، وأما حقُّ الآدميّ فلا يمحوه إلا رضى صاحبه، «كما يطفئُ المَاءُ النَّارَ» إنَّ الحسنات يذهبن السيئات.

قال الطّوفيُّ: (وإنّما استعار لفظ الإطفاء لمقابلةٍ (٣)؛ لأنّ الخطيئةَ يترتب عليها العقابُ الذي هو أثر الغضب، والغضبُ يستعمل فيه الإطفاء، يقال: طفئَ غضبُ فلان، وانطفأ غضبه؛ لأنه في الشَّاهد (٤): ثوَران (٥) دم القلب عن غلبة الحرارة.


(١) أصل الحديث -بدون قوله «فضيّقوا مجاريه ... » - في صحيح البخاريّ، كتاب الاعتكاف، باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه (٢٠٣٩). وفي صحيح مسلم كتاب السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رئي خاليًا بامرأة ... (٢١٧٤). كلاهما من حديث صفيّة رضي الله عنها. وورد في البخاريّ بلفظي: (من الإنسان) و (من ابن آدم) بينما في صحيح مسلمٍ اللفظ الأوَّل فقط.
وأما زيادة «فضيِّقوا مجاريه» فقد قال الشيخ الألباني رحمه الله: (قد ذكره -[أي: الحديث]- ابنُ تيمية في مكان آخر من رسالته في (الصيام) (ص ٧٥) بزيادة: (فضيّقوا مجاريه بالجوع والصوم)، ولا أصل لها في شيء من كتب السنة التي وقفت عليها، وإنما هي في "كتاب الإحياء " للغزالي فقط، كما نبّهت عليه في التعليق على الرسالة المذكورة). سلسلة الأحاديث الضعيفة (٣/ ٧٩).
(٢) ما بين معقوفتين زيادةٌ من (ب).
(٣) في المصدر قول الطوفي: : (وإنما استعار لفظ الإطفاء بمقابلته بقوله: "كما يطفئ الماء النار"). التعيين في شرح الأربعين (١/ ٢٢٢) , والمقابلة من المحسنات المعنوية في علم البديع عند البلاغيين, وهو: أن يؤتى بمعنيين أو أكثر, ثم يؤتى بمقابل ذلك على الترتيب. انظر: دروس البلاغة (١٠٧).
(٤) أي: في المشاهد بين الآدميّين.
(٥) في الأصل: (توارن) والمثبت من (ب) والذي في التعيين: (فوَران).

<<  <   >  >>