للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الخَلق والمزاح والسخريةِ والاستهزاء بالناس ونحو ذلك, وقال بعض الحكماء: لا شيءٌ أحَقُّ بالسِّجن من اللِّسان (١)، وقد جعله خلْفَ الشفتين والأسنان، ومع ذلك يكسِر القُفْلَ ويفتحُ الأبواب، وقال بعضهم: إن لم تملكْ فضلَ لسانك, ملك (٢) الشيطان فضل عِنانك (٣).

«قلتُ يَا نَبِيَّ اللهِ: وإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكلَّمُ به؟ » استفهامُ استثباتٍ طلبًا لإيضاح الحُكْم, وتعجُّبٌ واستغرابٌ مُؤذِنٌ بأنَّه لم يكن يعلمُهُ أحرامٌ هو أم حلالٌ؟ .

وهذا لا ينافي إخبارَ المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنَّ: «معاذًا أعلمُ النَّاس بالحلال والحرام» (٤)؛ لأن المراد بهما المعاملات الظاهرة بين الناس لا في معاملة العبد ربَّه، أو صار أعلمهم بعد ذلك (٥). ذكره الطوفي (٦).

والمؤاخذة أن يأخذَ أحدٌ أحدًا بذنبٍ.

«فقال» أي: نبيّ الله «ثَكِلتْكَ» أي: فقدتْك «أُمُّكَ» لفقدكَ إدراك المؤاخذة بذلك مع ظهورها.

قال القاضي: (هذا وأمثاله أشياءُ مزالةٌ عن أصلها إلى معنى التّعجّب وتعظيم الأمر) (٧).


(١) في الزهد لابن أبي عاصم حديث (٢٣): قال عبد الله بن مسعود: (والله الذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان).
(٢) في (ب): (ملَّكت الشيطان).
(٣) لم أقف عليه.
(٤) تقدّم تخريج الحديث في ص (٨٤).
(٥) الوجه الثَّاني أقوى -إن صحَّ الحديث-, والأوَّل ضعفه ظاهرٌ, على أنَّه لا يلزم من كونه: (أعلم) ألَّا يجهل شيئًا.
(٦) التعيين (٢٢٤).
(٧) تحفة الأبرار (١/ ٦٩).

<<  <   >  >>