للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأبدعُ في الظهور.

وقال حجَّةُ الإسلام: والمراد بكفِّ اللسان حفظه من الكذب، فلا ينطق به في جِدٍّ ولا هزلٍ؛ لأنه إن نطق به هزلًا تداعى إلى الجِدِّ، والخُلفِ في الوعد، والغِيبةِ -فإنها أشدُّ من ثلاثٍ وثلاثين زَنيَة (١) - والمراءِ والجدالِ والمنافسة وتزكيةِ النفس واللَّعنِ والدعاءِ


(١) لم أقف على ما يدلُّ على أنّ الغيبةَ أشدُّ من ثلاثٍ وثلاثين زَنية، تعم في الترغيب والترهيب لقوا السنة (٣/ ١٣٨): (أنَّ الغيبة أشدّ من الزنا) لكنه ضعيف جدًّا, ولكن -لعلَّ الشارح تأوَّل والعلم عند الله- حديث سعيدِ بن زيدٍ رضي الله عنه عند أبي داود (٤٨٧٦) مرفوعًا: «إنّ أربى الرِّبا الاستطالة في عرض المسلم بغير حقّ» مع حديث عبد الله بن حنظلة: «درهم ربًا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستة وثلاثين زَنية» رواه أحمد (٣٦/ ٢٨٩) والدارقطني (٣/ ٤٠٣). وما دام أنّ أربى الربا عِرضُ الرجل المسلم، والرِّبا أشدُّ من ثلاثٍ وثلاثين زَنية: فالغِيبة من الاستطالة على عرض الرجل المسلم، فتكون أشدَّ من ثلاثٍ وثلاثين زَنية، لعلّ هذا قصده رحمه الله، والله تعالى أعلى وأعلم، إلّا أن حديث عبد الله بن حنظلة ليس مرفوعًا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم على الرَّاجح، بل هو من عبد الله بن حنظلةَ عن كعبٍ الأحبارِ من قوله، رجّح بذلك أبو حاتم في العلل (٣/ ٦٤٦) والدارقطني في السنن (٣/ ٤٠٣). وابن الجوزي لمَّا نقد الحديث سندًا نقده متنًا أيضًا فقال في الموضوعات (٢/ ٢٤٨): (واعلم أنَّ ممَّا يردُّ صحةَ هذه الأحاديث: أنَّ المعاصيَ إنَّما يعلم مقاديرُها بتأثيراتها، والزِّنا يفسد الأنساب، ويصرف الميراث إلى غير مستحِقِّيه، ويؤثِر من القبائحِ ما لا يوثر أكل لقمةٍ لا تتعدَّى ارتكاب نهْيٍ، فلا وجه لصحَّة هذا).

تنبيهٌ: كلمة (زَنية) -الواردة في الحديث السابقِ- بالفتح -لا غيرُ- في: إصلاح المنطق (٣٢٥)، وبالفتح والعامة تكسرها في: أدب الكاتب (٣٨٨)، والكسر والفتح لغتان في: الصحاح (٦/ ٢٣٦٩)، والمصباح (٨٧)، وأنكر الزَّجَّاج في المخاطبة التي جرت بينه وبين ثعلبٍ الكسر في رَشدة وزَنْية، وقال: هما بالفتح لا غير، انظر: معجم الأدباء (١/ ٥٧) والكسر أفصح على اختيار ثعلبٍ في الفصيح (ص ١٠٣)، والزَّبيديّ في تاج العروس (٨/ ٩٦)، قال ابن المرحَّل المالَقِيُّ (ت ٦٩٩ هـ) في مُوطَّأة الفصيح (ص ٩٩)، في باب المكسور أوَّله من الأسماء:
نعم وَليْ في آل زيدٍ بِغيهْ ... وولَدٌ ... لرِشدةٍ، وزِنيهْ
وإن تقل: لـ (غَيَّةٍ) فتفتحُ ... والإحنةُ الشحناءُ حين تشرحُ

وولد رِشدة: أي: الحلال الذي وُلِدَ مِن نكاح، وولد زِنيةٍ وغَيّة: أي: مِن سِفاح. انظر: إسفار الفصيح (٢/ ٦٣٨).

<<  <   >  >>