للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فقال: ازْهَدْ فِي الدُّنيا) اعرض بقلبك عنها استصغارًا لجملتها واحتقارًا لشأنها وبغضًا لها, وحبًّا لله (يُحِبَّك الله) أي: يرضَى عنك ويثيبُك؛ (١) لأنَّه تعالى يُحِبُّ من أطاعه، ومحبّته مع محبّة الدنيا لا يجتمعان، عُرِفَ ذلك بالنّصوص والنّظر والتّجرِبَة والطّبعِ والتّواتر.

قال الغزاليّ: (مَن ادَّعى أنّه جمع بين حُبِّ الدنيا / [١١٢٤/ب] وحُبِّ خالقها في قلبه فقد كذب، وذلك لأنّ حبّها كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «رأسُ كلّ خطيئةٍ» (٢) والله لا يُحِبُّ الخطايا ولا أهلَها؛ ولأنّها لهوٌ ولعبٌ وزينةٌ وتفاخُرٌ وتكاثرٌ، والله لا يحبُّها؛ ولأنَّه تعالى منذُ خلق الدُّنيا لم ينظُرْ إليها بغضًا لها كما في حديثٍ (٣)؛ و «لأنها


(١) وهذا أيضًا تفسير بلازم الصفة، ولازم الحقِّ حقٌّ, ولو كان المصنِّف -رحمه الله- يُثبت أصل الصفة لقُبل منه، لكن صرح -فيما سبق- أنَّ المحبة محالٌ في حقّ الله تعالى.
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية (٦/ ٣٨٨) والبيهقي في الزهد الكبير (١٣٤) من قول عيسى ابن مريم -عليه السلام- وجزم شيخ الإسلام بأنَّه من قول جندبٍ البجليّ رضي الله عنه، كما في مجموع الفتاوى (١١/ ١٠٧)، ومثّل له العراقي للحديث الموضوع الذي أُخذ من كلام الحكماء كما في شرحه للعراقي (١/ ٣١٥) وكذا قال الألباني في الضعيفة (٣/ ٣٧٠). ولكن أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (١٣/ ١٠٢) عن الحسن البصريِّ مرسلًا، وحسَّنه السخاويّ في فتح المغيث (٢/ ١٢٢) ودفع عنه الوضع، وذكر أنه لا يصحّ التمثيل به، ولكن مرسلات الحسن كالريح كما قرّره جمع من أهل العلم، انظر -مفصّلًا- شرح العلل لابن رجب (١/ ٥٣٦).
(٣) أخرجه الديلمي (١/ ٢/٢٣٥) من طريق الحاكم عن داود بن المحبّر، عن الهيثم بن جمَّاز عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: (إن الله لم يخلق خلقًا هو أبغض إليه من الدنيا، وما نظر إليها منذ خلقها؛ بغضا لها). وهذا موضوعٌ أيضًا آفته داود بن المحبر؛ فإنه متهم بالوضع، أو شيخه الهيثم بن جمَّاز؛ فإنه متَّهم بالكذب. انظر: السلسلة الضعيفة (٧/ ٨٣).

<<  <   >  >>