للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مفسدةِ المنكر المطلوب زوالُه، فهو قاصرٌ بخلافه باليد واللسان فإنه متعدٍّ؛ لأنَّه كراهةٌ وإزالةٌ.

وفي رواية زيادةُ: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّةُ خردلٍ) (١) أي: ليس وراء هذه المرتبة مرتبةٌ أخرى؛ لأنَّه إذا لم يكرهه بقلبه رضي به، وذلك ليس شأن أهل الإيمان، وقد قيل: التغيير باليد للأمراء، وباللِّسان للعلماء (٢)، وبالقلب للعامَّة (٣) (٤).

قال بعض الأعيانِ: وينبغي للآمر بالمعروف: أن يقصدَ به وجه الله، وإعزازَ الدين لينصره الله تعالى، فإنه بذلك القصد لا يخِيْبُ.

ولو رضي بالمنكَر بقلبه: فإنْ رضيَه معتقِدًا جوازَه كَفَرَ؛ لتضمِّنِه تكذيبَ الشرع في تحريمه، أو رَضِيَ به لغلبة الهوى والشهوة مع اعتقاد تحريمه: فَسَقَ.

والحديث يصلُح أن يكون نصف الإسلام، من حيث إنَّ أعمال الشريعة إمَّا: معروفٌ يجب الأمر به، أو منكرٌ يجب النَّهي عنه، وهو أصلٌ في صفة التغيير، فلمن قام به أن يغيِّره بكل طريقٍ أمكن زواله به قولًا أو فعلًا، بنفسه أو بغيره مخلصًا بنيَّتِه، ولا يهابُ من يُنكَر عليه وإن علت رتبته؛ فإن الله ينصره بدليل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (٥)


(١) هذه الزيادة من حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه، لا من هذا الحديث -حديث أبي سعيدٍ-، وهي في صحيح مسلمٍ، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، (١/ ٦٩، ح ٨٠).
(٢) في الأصل: (وباللسان للعمل) والمثبت من نسخة (ب).
(٣) ذكر الجردانيُّ في الجواهر اللؤلؤية (٤٨٧): أنه نُقِل عن الشعرانيِّ عن إبراهيم المتبوليِّ.
(٤) هذا فيه نظرٌ؛ إذ النصُّ عمَّم, فمن خصَّص فعليه الدليل؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى منكم منكرًا» ولم يفرِّق بين العلماء والعوامِّ؛ فإذن: مناطُ الحكم هو الِاستطاعة, ومعرفة المنكر أنَّه منكرٌ, ولعلَّ منطلق هذا الكلام ظنُّ الكثيرِ أنَّ التغيير باليد مستلزمٌ للقتال؛ وهذا ليس بصحيحٍ -كما قال الحافظ ابن رجبٍ في جامع العلوم والحكم (٦٠٣): ناقلًا عن الإمام أحمد -رحمه الله-فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح).
(٥) سورة الحجِّ: (٤٠).

<<  <   >  >>