للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال البيضاويُّ: هو تفاعُلٌ من النَّجْش (١)، وأصله الإغراء والتحريض، وإنما ذكره بصيغة التفاعُلِ؛ لأنَّ التُّجَّارَ يتعارضونَ في ذلك، فيفعل هذا لصاحبه على أن يكافئه بمثله (٢).

وهذا النَّهي لا يقتضي الفساد (٣) عند الشافعيِّ (٤)،

فيحرمُ ويصحُّ، وأبطلَه بعض


(١) النجْش: بنونٍ مفتوحةٍ، وجيمٍ ساكنةٍ، انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض (٢/ ٥)، وشرح النووي على مسلمٍ (١٠/ ١٥٩)، وإرشاد السَّاري للقسطلاني (٤/ ٦١)، وذكر الزبيديّ في تاج العروس (١٧/ ٤٠٦): أنَّ تحريك الجيم لغةٌ.
(٢) تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للقاضي البيضاوي (٢/ ٢٣٩).
(٣) مسألة اقتضاء النَّهي الفساد أفردها العلَّامة صلاح الدِّين العلائي الشافعي (٧٦١ هـ) بمصنَّفٍ نفيسٍ سمَّاه: (تحقيق المراد في أنَّ النهي يقتضي الفساد) قال في أوَّله: (فإنَّ مسألة اقتضاء النهي الفسادَ من مُهمَّات الفوائد، وأمَّهات القواعد؛ لرجوع كثيرٍ من المسائل الفرعيَّة إليها، وتخريج خلاف الأئمَّة في مآخذهم عليها، فعلَّقتها في هذه الأوراق مبسوطةً، وذكرت من المباحث ما هي به منوطةٌ). ص (٢٧١). ثمَّ قال في نهاية الرسالة: (هذه المسألة -وإن كانت جزئيَّةً- فهي من القواعد الكبار التي ينبني عليها من الفروع الفقهيَّة ما لا يحصى، وقد اضطربت فيها المذاهب، وتشعَّبت الآراء، وتباينت المطالب، ثمَّ إنَّ كلَّ الأئمة المجتهدين قد تناقض فيها قولهم، ولم يُطرِدوا أصلهم الذي اختاروه فيها، سوى الإمامِ الشافعيِّ ومن تابعه). ص (٤٠٠).
(٤) مسألة حكم بيع النَّجش تكلَّم فيها الإمام الشافعيُّ في كتابه اختلاف الحديث (المطبوع ملحقًا بالأمِّ) (٨/ ٦٢٨) وبيَّن أنَّ هذا البيع يصحُّ مع المعصية، وأمَّا القاعدة الأصوليَّة وهي: أنَّ (النهي لا يقتضي الفساد) فلا يوجد نصٌّ للإمام الشافعيِّ رحمه الله تعالى فيها على هذا الإطلاق، ولكن أصحابَه عمدوا إلى نصوصٍ له في تطبيقات فرعيَّة، فاستنتجوا منها هذه القاعدة الأصوليَّة، وهذا الذي نسبه الشارح إليه -وهو أنَّه لا يقتضي الفساد، بقيده الذي سيأتي- تدلُّ عليه نصوصٌ من كلامه رحمه الله، منها ما قال الإمام في كتاب الرسالة -بعد ذكره لجملةٍ من الأنكحة المنهيِّ عنها-: (وكلُّ نكاحٍ كان من هذا لم يصحَّ؛ وذلك أنَّه قد نُهي عن عقده) .. الرسالة (٣٤٧) وانظر أيضًا: (١٢١، و ٣٢٠) من كتاب الرسالة، وقد حكى الإمام المازريُّ في شرح البرهان: (أنَّ الأكثر من الفقهاء في هذه المسألة على دلالة النَّهي على الفساد، والأكثر من المتكلِّمين على أنَّه لا يدلُّ على الفساد، وأصحاب الشافعيِّ يحكون عنه القولين، فمنهم من نقل عنه ذهابه إلى أنَّ النهي يدلُّ على الفساد، ومنهم من استلوح من كلامٍ وقع له، مصيره إلى أنَّه لا يدلُّ على الفساد). انظر: تحقيق المراد في أنَّ النهي يقتضي الفساد للعلائي (٢٩٠).
والذي حقَّقه العلائيّ أنَّ مذهب الشافعيِّ من خلال نصوص كلامه الصريحة هو: أنَّه يدلُّ على الفساد -إن كان النَّهيُ لعينه أو لوصفه اللَّازم له-، قال رحمه الله - في تحقيق المراد (ص: ١١٠) بعد نقله لجملةٍ من كلام الشافعيِّ من الرسالة وغيره- قال: (كلُّ هذا صريحٌ في أنَّ النَّهي عن الشيء لِعينه أو لوصفه الَّلازم يدلُّ على فساده ... والظَّاهر من تصرُّفات الشافعيِّ وجمهور أصحابه -رحمة الله عليهم- أنَّ النَّهي على الوجه المشار إليه يدلُّ على الفساد، وأنَّ دلالته على ذلك من جهة الشَّرع لا من جهة اللّغة، وأنَّ ما نُهي عنه لغيره المجاورِ له لا يقتضي النَّهيُ فسادَه، وهذا هو المختار، وبالله التوفيق). وانظر: الفتح المبين في شرح الأربعين للهيتمي (٥٥٠).

<<  <   >  >>