للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدليلٍ (١).

(وكونوا عباد الله) أي: تعاطَوْا ما تصيرون به يا عباد الله (إخوانًا) مما يُؤدِّيْ إلى ائتلاف القلوب من حُسْنِ الخُلُقِ والنُّصْحِ والرَّحمةِ والمعاشرةِ بالمعروفِ والمودَّة والمواسَاةِ والشَّفقةِ والتَّعَاونِ على البرِّ والتقوى، حتَّى كأنَّكم أولادُ رجلٍ واحدٍ كما أنَّكم عباد ربٍّ واحدٍ، فحقُّكم أن تطيعوهُ بكونكمْ إخوانًا؛ ليحصُلَ التَّعاضدُ على إقامة دِينِه وإظهار شِعاره وتمكينه، وذلكَ بدون الِائتلاف لا يَتِمُّ بدليل: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (٢). قال الطيبيُّ: (وقوله: إخوانًا يجوز أن يكون خَبَرًا بعد خَبَرٍ، وأن يكون بَدَلًا، وقوله: (عبادَ) منصوبٌ على الِاختصاصِ بالنِّداءِ (٣)، وهذا الوجهُ أوجَهُ،


(١) قال ابن عبد البرِّ في الاستذكار (٦/ ٥٢٣): (اختلف فيه: فكان الأوزاعيّ يقول: لا بأس بدخول المسلم على الذمِّي في سومه؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّما خاطب المسلمين في أن لا يبعْ بعضهم على بيع بعض، فقال: «لا يبع أحد على بيع أخيه» يعني المسلم، وقال الثوري ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم: لا يجوز أن يبيع المسلم على بيع الذمِّي، والحجَّة لهم: أنَّه كما دخل الذمِّي في النهي عن النجَش وعن ربح مالم يضمن وغير ذلك ممَّا الذمِّيُّ فيه تبع المسلم فكذلك يدخل في هذا). ثمَّ قال: (وقد أجمع العلماء على كراهة سوم الذمِّي على سوم المسلم وعلى سوم الذمِّي إذا تحاكموا إلينا، فدلَّ أنَّهم داخلون في ذلك). وذكر العراقيّ في طرح التثريب (٤/ ٩٥) أنَّ أبا عبيد بن حربويه (ت ٣١٩ هـ) -وهو من الشافعيَّة- ذهب إلى أنَّ ذلك يختصُّ بالمسلم، قال العراقي: (والصحيح خلافه)، وانظر: فتح الباري (٤/ ٣٥٣)، وتحفة الأحوذي (٤/ ٢٣٩).
(٢) سورة الأنفال: (٦٢).
(٣) الاختصاص في اصطلاح النحاة: تخصيص حكمٍ بضميرٍ -أي: قصره عليه- لغير الغائب -أي: المتكلّم أو المخاطب- بعده اسمٌ ظاهرٌ معرفةٌ، معناه معنى ذلك الضمير، وتطبيقه على هذا الحديث: (وكونوا -أخصُّ عبادَ الله- إخوانًا)، وقد جاء الاختصاص بلفظ النداء لاشتراكهما في معنى الاختصاص، وإن لم يكن منادى، والذي يدلُّ على أنه غير منادى: أنَّه لا يجوز دخول حرف النداء عليه، ولكن للمشابهة بين النداء والاختصاص ذكره علماء النحو في خاتمة أبواب المنادى، وذكروا الفروق التي بينهما. انظر: الكتاب لسيبويه (٢/ ٢٣٣)، وشرح المفصل لابن يعيش (١/ ٣٦٩). وشرح ابن عقيل (٣/ ٢٩٧)، وإرشاد السالك للفوزان (٢/ ١٥٤) ومن أشهر الأمثلة النحويَّة للاختصاص قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نحن -معاشر الأنبياء- لا نورَث، ما تركناه صدقة» وهو منصوبٌ بفعل مضمرٍ، والتقدير: (أخُصّ معاشر الأنبياء)، وقد وقع هذا الحديث في كتب النَّحو -كشرح ابن عقيل وغيره- بلفظ: «نحن معاشر الأنبياء» بينما صواب لفظ الحديث: «إنَّا معاشر الأنبياء» كما ذكره الحافظ ابن حجر في أوَّل الفرائض من فتح الباري (١٢/ ١٨) ..

<<  <   >  >>