كتاب شرح الأربعين النووية للمناوي حـ 29 - 35

الحديث الخامس والثلاثون - ص: 209

لغير ما ذُكِر: غشٌّ وخيانةٌ، بدليل خبر أبي داود: «كبُرتْ (١) خيانةً: أن تحدِّث أخاك

حديثًا هو لك مصدِّقٌ وأنتَ له كاذبٌ» (٢).

---

(١) بضمِّ الباء، لا بكسرها، لأنَّ الخيانة معنىً، ويقال في المعاني -وكذا الأجسام-: (كبُر، يكبُر) بالضمِّ معًا، ويقال في السنِّ: (كبِر) بالكسر، (يكبَر) بالفتح، وكلا المادَّتين في كتاب الله تعالى، فأمَّا الأولى فمنها قوله تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} ومضارعها: (يكبُر) بالضمِّ أيضًا، قال تعالى: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ}. ومن الثانية قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا}.
وفي هذا المعنى نظم الدنوشريّ (ت ١٠٢٥ هـ) -كما في حاشية الطالب ابن حمدون على لاميَّة الأفعال لابن مالكٍ ص (٦١) - فقال:
(كبِرتُ) بكسر الباء في السِّنِّ واردٌ ... مضارعُه بالفتح، لا غيرُ يا صاحِ
وفي الجسمِ والمعنى: (كبُرتُ) بضمِّها ... مضارعه بالضمِّ جاء بإيضاحِ
(٢) هذا الحديث له طريقان:
الطريق الأوَّل: عن جبير بن نفير، عن سفيان بن أَسيد -بفتح الهمزة- الحضرميّ، مرفوعًا. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب المعاريض (٤/ ٢٩٣، ح ٤٩٧١) والبخاريّ في الأدب المفرد (١/ ٢٠٣) من طريق بقية بن الوليد، عن ضُبَارة -بضمِّ أوَّله ثمَّ موحَّدة كما ضبطه ابن حجر في التقريب (رقم ٢٩٦٢) - ابن مالك الحضرمي، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه جبير بن نفير به. وهذا الحديث له عللٌ: فـ (بقيَّة) قال فيه ابن مسهر: -كما في الكامل في ضعفاء الرجال (٢/ ٢٥٩) - (احذر أحاديث بقيَّة، وكن منها على تقيَّة، فإنَّها غير نقيَّة)، إلَّا أنَّه قد وقع التصريح بالسماع في طريق ابن عديٍّ في الكامل (٢/ ٢٠٤) إلَّا أنَّه يدلِّس تدليسَ التسوية -كما قاله الذهبيّ في ميزان الاعتدال (١/ ٣٣٩) -، وثانيًا: شيخ بقيَّة: (ضُبارة بن مالكٍ) هو وأبوه مجهولان، انظر: التقريب (رقم ٢٩٦٢)، وقال النووي: (إسناد فيه ضعفٌ، لكن لم يُضَعِّفه أبو داود، فيقتضي أن يكون حسنًا عنده). الأذكار للنووي (٣٨٠).

والطريق الثاني: عن يزيد بن شريح، عن جبير بن نفير أيضًا عن النواس بن سمعان مرفوعًا. أخرجه أحمد عن عمر بن هارون البلخي، عن ثور بن يزيد، عن شريحٍ به. قال أبو نعيم في حلية الأولياء (٦/ ٩٩): (غريبٌ من حديث ثور، تفرد به عمر بن هارون البلخي). وعمر بن هارون (متروك) كما قاله الحافظ في تقريب التهذيب (رقم ٤٩٧٩) ولكن تابعه الوليد بن مسلم عند البخاريّ في التاريخ الكبير (٤/ ٨٦) ولكنَّه يدلس تدليس التسوية، ولذا فلا يصحّ الحديث ولا يتقوَّى، وممن ضعَّف الحديث بطريقيه: الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (٣/ ٤٠٥). والشيخ شعيب وأصحابه في تحقيق المسند (٢٩/ ١٨٣) وقد تساهل الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: ١٠٢٤) حين قال: (إسناده جيّد)، وأشدّ منه الغماريّ في المداوي (٥/ ١٦) حين صحَّحه! .
تنبيه: في مسند أحمد (٢٩/ ١٨٣): (حدثنا عمر بن هارون، عن ثور بن يزيد، عن شريح، عن جبير ابن نفير الحضرمي) قال محققو المسند: (كذا في المطبوعة والأصول الخطَّية، والذي في مصادر التخريج: يزيد بن شريح).