للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن حيث هو: أشدّ الأمور ضررًا، والصدق من حيث هو: أشدُّها نفعًا، إلَّا أن يعرضَ ما يصير به الكذبُ نافعًا والصِّدق ضارًّا، كأن سأله ظالمٌ عن إنسانٍ يريد قتله أو أخذ ماله فإن صدقه ضرَّه، وإن كذبه نفعه.

وقد ورَدَ أنَّ أعرابيًّا بايع المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على تركِ خصلةٍ من خصالٍ كالزِّنا والسرقة والكذب، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «دعِ الكذب» فصار كلَّما / [١٣٣/ب] همَّ بزنا أو سرقة قال: كيف أصنع؟ إن فعلت سألني النبيُّ، فإن صدقته حدَّني، وإن كذبته فقد عاهدني على ترك الكذب، فكان تركه سببًا لترك الفواحش كلها (١).

(ولا يَحْقِره) بفتح المثنَّاة التحتيَّة أوّلِه وسكون المهملة وكسر القاف أي: لا يُذلّه ولا يستصغرُ شأنه ويضع من قدره؛ لأنَّ الله لما خلقه لم يحقرْه، بل رفعه وخاطبه، فاحتقاره تجاوزٌ لحدِّ الربوبية في الكبرياء، وهو ذنبٌ عظيمٌ.

روي بمثنَّاةٍ مضمومةٍ، وخاءٍ معجمةٍ وفاءٍ (٢) بمعنى: لا يَغدرُ عهده، ولا ينقض أمانته،


(١) لم أقف عليه.
(٢) أي: (ولا يُخفره) من الإخفار، وهو ضبط أبي العباس أحمد العُذري الدَّلائي الأندلسي (ت ٤٧٨ هـ) -كما ذكره القاضي في الإكمال (٨/ ٣١) - وهو من رواة صحيح مسلمٍ، لازم أبا ذرّ الهرويَّ وغيره، وتتلمذ عليه ابن حزمٍ وابن عبد البرِّ، وأما عبارة الصفديِّ في الوافي بالوفيات (٤/ ٢٠٩): (بوفاته خُتم سماع مسلم، فإن كل من حدَّث بعده عن إبراهيم بن سفيان فإنه غير ثقة) فقد قالها الصفديُّ في الجُلودي (ت ٣٦٨ هـ) -بضمِّ الجيم على الصحيح، كما في تاج العروس (٧/ ٥١١) - لا في العُذري، خلافًا لمن ظنَّ أنَّها في العُذري كمحقِّق الإكمال للقاضي عياض (١/ ٤١). وانظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ٥٦٨).

<<  <   >  >>