للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى قلوبكم» (١) أي: التي هي محلُّ التقوى، وأوعيةِ الجواهر وكنوزِ المعرفة (٢).

قال الغزاليُّ: أبانَ الحديثُ بأنَّ القلبَ موضعُ نظر الرَّبِّ، فيا عجباهُ (٣) لمن يهتمُّ بوجهه الذي هو محلُّ نظر الخلق, فيغسِله وينظِّفه، ولا يهتمُّ بقلبه الذي هو محلُّ نظر الخالق، فيطهِّره ويزيِّنه؛ لئلَّا يطَّلع عليه وهو مدنَّسٌ (٤).

وفيه دليلٌ على أنَّ محلَّ الروح القلبُ لا الدِّماغ (٥).


(١) أخرجه مسلم في صحيحه, كتاب البِرِّ والصلة والآداب, باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره (٤/ ١٩٨٧، ح ٢٥٦٤).
(٢) في (ب): المعارف.
(٣) في (ب): فيا عجبًا.
(٤) منهاج العابدين (١١٣).
(٥) ورد إلى شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله تعالى سؤالٌ في هذا الموضوع، وهي: أين مسكن العقل؟ فأجاب رحمه الله: بأنَّ العقل قائمٌ بنفس الإنسان التي تعقل، وأما من البدن فهو متعلِّقٌ بقلبه، كما قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} وقيل لابن عباس: بماذا نلت العلم: قال: (لسانٌ سؤول، وقلب عقولٌ)، ولفظ القلب قد يراد به المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن التي جوفها علقة سوداء كما في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد»، وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقًا فإن قلبَ الشيء باطنُه كقلب الحنطة واللَّوزة والجوزة ونحو ذلك، ومنه سمِّي القليب قليبًا؛ لأنَّه أُخرِج قلبه وهو باطنه، وعلى هذا فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلِّق بدماغه أيضًا، ولهذا قيل: إنَّ العقل في الدماغ، كما يقوله كثيرٌ من الأطبَّاء، ونُقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه: إن أصل العقل في القلب فإذا كمُل انتهى إلى الدماغ، والتَّحقيق: أن الروح التي هي النفس لها تعلق بهذا وهذا وما يتَّصف من العقل به يتعلَّق بهذا وهذا، لكن مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة في القلب، والعقل يراد به العلم ويراد به العمل, فالعلم والعمل الاختياريُّ أصله الإرادة, وأصل الإرادة في القلب, والمريد لا يكون مريدًا إلا بعد تصوّر المراد، فلا بدَّ أن يكون القلب متصوِّرًا فيكون منه هذا وهذا, ويبتدئ ذلك من الدماغ, وآثاره صاعدة إلى الدماغ, فمنه المبتدأ وإليه الانتهاء, وكلا القولين له وجه صحيح, وهذا مقدار ما وسعته هذه الأوراق والله أعلم). مجموع الفتاوى (٩/ ٣٠٣ - ٣٠٤) .. وانظر مثله في: العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (١/ ١٦١).

<<  <   >  >>