للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا ينافيْهِ حديثُ: «لن يدخُلَ أحدُكم الجنَّة بِعَمله» (١)؛ لأنَّ العمل نفسَه لا يستَحِقُّ به أحَدٌ الجنَّةَ لولا أنَّه تعالى جعله سببًا (٢)، أو أنَّ نفس الدّخولِ لا يكون بالعمل، بل بالرَّحمة، وأما حصول المنازِل فيها فبالعمل.

وقال البيضاويُّ: (أراد بالحديث: بيانَ أنَّ النَّجاةَ من العذاب والفوزَ بالثواب بفضل الله ورحمته، والعملُ غير مؤثّرٍ فيهما على سبيل الإيجاب والِاقتضاء، بل غايته: أنه يُعِدُّ العاملَ لأن يتفضَّلَ عليه، ويقرِّبَ الرحمة إليه، إنَّ رحمت الله قريبٌ من المحسنين) (٣). [انتهى (٤)].

وقال الكِرمانيُّ (٥): (الباء في «بما كنتم» ليست سببيَّةً، بل للمُلابسة، أي: أورثتموها مُلابِسةً لِأعمالكم، أي: لثواب أعمالكم، أو للمُقابَلة نحوُ: أعطيته الشَّاةَ بدرهمٍ، أو المرادُ جنَّةٌ خاصَّةٌ، أي: نيلُكُم تلك الجنَّة الخاصَّةَ الرفيعةَ العاليةَ بِسبب الأعمال، وأمَّا أصل الدُّخول فبالرَّحمة (٦).


(١) الحديث في مسند أحمد (٧٤٧٩) إلا أن أحد رواته وهو -زياد المخزومي- مجهول، لكن قد ورد الحديث في صحيح مسلم (٤/ ٢١٦٩) بلفظ: «لن ينجيَ أحدًا منكم عملُه» قال رجل: ولا إياك؟ يا رسول الله قال: «ولا إيَّايَ، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، ولكن سدِّدوا».
(٢) المصنِّف -رحمه الله- أثبتَ هنا السببيَّة على مذهب أهل السنة, وخلافًا للأشاعرة, لكن كلام الكرمانيِّ يناقضُ هذا التقرير, حيث نفى فيه السببيّة.
(٣) تحفة الأبرار (٢/ ٨٣).
(٤) ما بين المعقوفين زيادة من نسخة (ب).
(٥) هو محمَّد بن يوسف بن علي الكِرماني -بكسر الكاف والنون، كما قال هو عن نفسه في الكواكب الدراري (٩/ ١٩٥) - له شرحٌ على صحيح البخاريّ، اعتمد عليه كثيرٌ ممن جاء بعده، قال فيه ابن حجر: شرح صاحب الترجَمَة مفيدٌ على أوهامٍ فيه في النقل؛ لأنَّه لم يأخذه إلا من الصُّحف، وقال ابن قاضي شهبة: فيه أوهامٌ فاحشةٌ وتكرارٌ كثيرٌ, ولا سيَّما في ضبط أسماء الرواة. توفي (٧٨٦ هـ) رحمه الله. انظر: الدرر الكامنة (٦/ ٦٦)، وطبقات الشافعية لابن شهبة (٣/ ١٨٠).
(٦) في الأصل: فالرحمة.

<<  <   >  >>