للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وأمَّا قول النَّوويِّ: ظاهرُ الآيات أنّ دخول الجنَّة بسبب الأعمال، والجمع بينها وبين الحديث: أنَّ التوفيق للأعمال، والهدايةَ للإخلاص فيها وقبولها إنَّما هو بالرحمة والفضل، فصحَّ أنَّه لم يدخل بمجرَّد العمل وهو مراد الحديث، وأنَّه يدخل بسبب العمل وهو من الرَّحمة، فيردُّ بأن المقدّمة الأولى خلافُ صريح الحديث فلا يُلتفَتُ إليها) (١).

وقال ابنُ القيِّم: (العمل بمجرَّده -ولو تناهَى- لا يوجبُ دخول الجنَّةِ، ولا أنْ تكون عوضًا له؛ لأنَّـ[ـه] (٢) لو وقع (٣) على الوجه الذي يحبّه الله لا يقاوم نعمَةً، بل جميعُ العمل لا يوازِيْ نعمةً واحدةً، فيبقى جميعُ نعمه مقتضيةً لشُكرها، وهو لم يشكرها حقَّ شكرها، فلو عذَّبه [عذَّبه] (٤) وهو غير ظالمٍ، وإذا رحِمَه كانت رحمته خيرًا من عمله، قال: وهذا فصلُ الخطابِ مع الجَبْريَّة الذين أنكروا كونَ الأعمال سببًا لدخول الجنَّة من كلِّ وجهٍ، والقدريَّةِ الزاعمين أنَّ الجنَّة عوضُ العمل، وأنَّها ثمنه، وأنَّ دخولها بمحض العمل، والحديث يُبطِلُ دعوى الطَّائفتين، والحاصلُ: أنَّ العمل من حيث هو عملٌ لا يستفيد به العاملُ/ [١١٦/ب] دخولَ الجنَّة ما لم يكنْ مقبولًا، والقَبولُ إنَّما يحصل بالرَّحمة) (٥).

تتمَّةٌ: قال الغزاليُّ: اجتمع ابن واسعٍ وابن دينارٍ، فقال ابن دينارٍ: إما طاعة الله أو النار، فقال ابن واسع: إما رحمة الله أو النار، فقال: ما أحوجني إلى معلِّم مِثْلك, وقال البسطاميُّ (٦): كابدت العباد [ةَ] (٧) ثلاثينَ سنة، فرأيت قائلًا يقول: يا أبا يزيدَ: خزائنُه


(١) الكواكب الدراري (١/ ١٢٥).
(٢) الهاء زيادةٌ من (ب).
(٣) في الأصل: (ولو وقع) , والمثبت من (ب).
(٤) ما بين معقوفتين زيادةٌ من (ب).
(٥) مفتاح دار السعادة (٢/ ٩٢).
(٦) أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي، أحد الزّهاد، وله كلامٌ نافع، منه قوله: (لله خلقٌ كثيرٌ يمشون على الماء، لا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطيرَ، فلا تغترّوا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي، وحفظِ الحدود والشرع؟ ). ويحكى عنه في الشطح أشياءُ، منها ما لا يصحُّ، أو يكون مُقوَّلًا عليه. انظر: سير أعلام النبلاء (١٣/ ٨٦ - ٨٨).
(٧) في الأصل بدون تاء. والمثبت من (ب).

<<  <   >  >>