والأمر لابن وجان بالمسير إلى جزيرة ميورقة، قرأ قول الله تعالى: ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة، وطلب الاجتماع بالسيد أبي محمد عبد الله بن المنصور صاحب مرسية يومئذ، فلما حضر عنده قال له: أراهم قد أخرجوا الإمامة عن عقب سيدنا المنصور رحمة الله عليه، وأنا أشهد أنه قال: إن لم يصلح محمد فعبد الله قد نصر عليكم، وإن طالبتموهما لم يخالفكم أحد مع كراهية الناس في بني جامع الذين قد اتخذوا الوزارة وراثةً، وجعلوا يقصون من الحضرة كل من هو مؤهل لوزارةٍ واستشارةٍ، وقد وطأ الله لكم هذا الأمر بأن جعل إخوتكم الميامن أولاد المنصور بقرطبة ومالقة وغرناطة، فأول ما قدم فمخاطبتهم بذلك، وتهييج حفائظهم في خروج الإمامة عن بيتهم، وكان السيد أبو محمد هذا لم يبايع عمه عبد الواحد، وهو ناظر في البيعة، فأصغى إلى ابن وجان وعلم أنه قد تقدم له في هذا الأمر سابقة بوزارة المنصور، وأن الموحدين يصيرون إلى قوله في البرين، فنصب نفسه للإمامة، وتلقب بالعادل، وخاطب إخوته فجاوبوه، ثم انتقل العادل من مرسية إلى إشبيلية ومعه ابن وجان، وهو غالب على جميع التدبير، ناظر في مخاطبات ولاة العدوة، والتطلع لأخبار مراكش.
ثم إن العادل أراد أن يستريح من ابن وجان لتفرغ أتباعه إلى تدبير الآراء، والاستبداد بحضرته فإنه غم الجميع، وكان ابن وجان إذا احتوى على أمر ضم أطرافه ولم يترك لأحدٍ منه شيئاً، ولذلك رماه أهل الدول عن قوس واحدةٍ، فرسم له العادل ركوب البحر إلى سبتة ليكون بها نائب سلطانه، وناظراً في جميع بر العدوة، فركب في القطائع من نهر إشبيلية إلى سبتة، وذلك كله في سنة٦٢١، فاشتغل بالنظر في بلاد العدوة.