يخمع منها، فلجأ إلى تلٍ كان يلي محلته في نحو الخمسمائة فارس كلهم مكلوم، وأباد القتل والأسر من عداهم من أصحابهم، وعمل المسلمون بعد ذلك من رؤوسهم صوامع يؤذنون عليها، وابن فرذلند ينظر إلى موضع الوقيعة ومكان الهزيمة، فلا يرى إلا نكالاً محيطاً به وبأصحابه.
وأقبل ابن عباد على يوسف فصافحه وهنأه وشكره وأثنى عليه، وشكر يوسف مقامه، وحسن بلائه وجميل صبره، وسأله عن حاله عندما أسلمته رجاله بانهزامهم عنه فقال: هم هؤلاء قد حضروا بين يديك فليخبروك! ولما أنحاز الطاغية بشرذمته، جعل ابن عبادٍ يحرض على اتباع الطاغية، وقطع دابره، فأتى ابن تاشفين واعتذر بأن قال: لو اتبعناه اليوم لقي في طريقه أصحابنا المنهزمين راجعين إلينا منصرفين، فيهلكهم؛ بل نصبر بقية يومنا حتى يرجع إلينا اصحابنا، ويجتمعوا بنا، ثم نرجع إليه فنحسم داءه.
وابن عباد يرغب في استعجال إهلاكه ويقول: إن فر أمامنا لقيه أصحابنا المنهزمون فلا يعجزون عنه! ويوسف مصر على الامتناع من ذلك. ولما جاء الليل تسلل ابن فرذلند وهو لا يلوى على شيء، وأصحابه يتساقطون في الطريق واحداً بعد واحدٍ من أثر جراحهم، فلم يدخل طليطلة إلا في دون المائة.
وتكلم الناس في اختلاف ابن عباد وابن تاشفين، فقال شيع ابن عباد: لم يخف على يوسف أن ابن عباد أصاب وجه الصواب والرأي في معالجته، لكن خاف أن يهلك العدو الذي من أجله استدعاه فيقع الاستغناء عنه! وقالت شيع يوسف: إنما أراد ابن عباد قطع حبال يوسف من العود إلى جزيرة الأندلس! وقال آخرون: كلا الرجلين أسر حسوا في ارتغاءٍ، وإن كان ابن عباد أحرى بالصواب.