وكتب ابن عباد إلى ابنه بإشبيلية: كتابي هذا من المحلة يوم الجمعة الموفى عشرين من رجب وقد أعز الله الدين، ونصر المسلمي، وفتح لهم الفتح المبين؛ وأذاق المشركين العذاب الأليم، والخطب الجسيم؛ فالحمد لله على ما يسره وسناه من هذه الهزيمة العظيمة، والمسرة الكبيرة، هزيمة إذ فونش أصلاه الله نكال الجحيم، ولا أعدمه الوبال العظيم. بعد إتيان النهب على نحلاته، واستئصال القتل في جميع أبطاله وأجناده، وحماته وقواده. حتى اتخذ المسلمون من هاماتهم صوامع يؤذنون عليها، فالله الحمد على جميل صنعه، ولم يصبني بحمد الله تعالى إلا جراحات يسيرة ألمت، لكنها قرحت بعد ذلك، وغنمت وظفرت.
ولما فرغ يوسف من وقيعة يوم الجمعة، تواردت عليه أبناء من قبل السفن، فلم يجد معها بداً من سرعة الكرة، فانصرف إلى إشبيلية، فأراح بظاهر ثلاثة أيام، ونهض نحو بلاده، ومشرى ابن عباد معه يوماً وليلةً. فعزم عليه يوسف في الرجوع، وكانت جراحاته تثعب وتورم كلم رأسه، فرجع وأمر ابنه بالمسير بين يديه إلى فرضه المجاز حتى يعبر البحر إلى بلده.
ولما دخل ابن عباد إشبيلية جلس للناس وهنى بالفتح، وقرأت القراء، وقامت على رأسه الشعراء فأنشدوه. قال عبد الجليل بن وهبون: حضرت ذلك اليوم، وأعددت قصيدة أنشده إياها، فقرأ القارئ:" إلا تنصروه فقد نصره الله " فقلت: بعداً لي ولشعري! والله ما أبقت لي هذه الآية معنىً أحضره إليه، وأقوم به.
واستشهد في ذلك اليوم جماعة من أعيان الناس، كابن رميلة المتقدم الذكر،