للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قريش , ويشارك بقية الصحابة - رضي الله عنهم - في عبادة الله وحده , ويتلقى العلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فأخذ ينهل من معين الوحيين حتى أصبح من أعلم الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك الوقت؛ لذلك أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مع من أسلم من الأنصار ليقرأ عليهم القرآن ويعلمهم أمور دينهم (١).

ومما كان ظاهراً في مكة , هو الترصد لأتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - , لذلك بصر عثمان بن طلحة بمصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو يصلي , فأخبر أمه وقومه لتبدأ مرحلة جديدة من العذاب والنكال , فأخذوه فحبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهِجرة الأولى (٢). ولقد مر بمصعب - رضي الله عنه - ألواناً من العذاب كغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - بل أشد , وذلك لفارق ما كان عليه في الجاهلية وما وقع عليه بعد إسلامه , فالأم التي كان لا يشغل بالها إلا ابنها من فرط حبها له, أصبحت معولاً هداماً لذلك الجسم المنعم , فلا تتردد في تعذيبه , وحرمانه مما كان عليه سابقا , بل وكانت تعين قومه عليه , حتى " أصابه من الشدة ما غَيَّر لونه وأذهب لحمه، ونهكت جسمه حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، وعليه فروة قد رفعها، فيبكي لما كان يعرف من نعمته، وحلفت أمه حين أسلم وهاجر ألا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بظل حتى يرجع إليها، فكانت تقف للشمس حتى تسقط مغشيا عليها، وكان بنوها يحشون فاها بشجار، وهو عود فيصبون فيه الحساء لئلا تموت " (٣).


(١) يأتي ذكرها ص ٢٦.
(٢) ابن سعد: مصدر سابق ,٣/ ٨٦.
ابن عبد البر: مصدر سابق ,٤/ ١٤٧٤.
ابن الأثير: مصدر سابق ,٥/ ١٧٥.
(٣) السهيلي ,عبد الرحمن بن عبد الله: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط١ , ١٤٢١هـ , ٤/ ٥٢.

<<  <   >  >>