للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بيده كما قال أصحاب موسى ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف آية: ١٣٨]. فأبان لهم النبي الحجة وعذرهم لجهلهم لحداثة عهدهم بالإسلام.
أما الأمور التي قد تعرض فيها شبهة ويقولها الإنسان لشبهة عرضت له مثل مقالة الجهمية والمعتزلة ونحوهم فإنه لا يكفر قائلها، وذلك لما لديهم فيها من الشبه المانعة من معرفة الحق وإن لم يكن كثير منهم يقصد تكذيب الله ورد خبره، فإنه لا يكفر إلا إذا أبينت له الحجة ووضحت له المحجة، ويستدل لذلك بما وقع من قدامة وأصحابه لما شربوا الخمر وظنوا أنها حلال لهم، قد اتفق الصحابة على أنهم إن أصروا على حلها قتلوا، وإن لم يصروا على حلها جلدوا. انظر الإصابة لابن حجر (٨/ ١٤٥).
وهذا يدل على أنهم بعد البيان إن أصروا على الحل كفروا، وذلك لردتهم، وإن أقروا بالحرمة جلدوا حد شارب الخمر.
إما إطلاق الكفر على المقالة، وأن من قال هذا كفر، كقول كثير من العلماء "من قال بخلق القرآن كفر" أو "من يقول القرآن مخلوق فهو كافر" أو "الجهمية كفار" بإطلاق فإن ذلك جائز أن يطلق على كل مقالة متضمنة للكفر بالله، وقد أطلق النبي الكفر على أعمال عديدة منها قوله : "ثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة" م. الإيمان (١/ ٨٢). "من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد". "أخرجه حم. (٢/ ٤٧٦) ت. في الطهارة (١/ ٢٤٣) ..
ونحو ذلك فهذا الإطلاق جائز، ولكنا لا نطلقه إلا على ما ورد الشرع بإطلاقه عليه، أو هو مستلزم للكفر على وجه من أوجه الكفر السابق ذكرها.
أما تكفير المعين من الأشخاص فلا يجوز إطلاق الكفر عليه إلا إذا بينت له الحجة، فإن معارضته عند ذلك تكون إما تكذيبًا أو تقليدًا لآراء وأهواء وتقديمها على كلام الله ورسوله وكل ذلك كفر، وعلى هذا يحمل كلام الأئمة فيمن كفروهم من أئمة الجهمية ومن يقول بمقالتهم على أنهم رأوا أن الحجة قد بلغتهم وأنهم قد قدموا أهواءهم وعقولهم عليها مع وضوحها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر الخلاف في التكفير والحكم بالخلود بالنار على المكفر قال: وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافرًا فيتعارض عندهم الدليلان، وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر، اعتقد السامع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت =

<<  <   >  >>