ثانيا: أن يكون المراد به "فعل القارئ" وهو قراءته وصوته وهذه مخلوقة، لأنها من فعل العبد وحركته التي صرح السلف بأنها مخلوقة، ويخالفهم في ذلك المعتزلة الذين يقولون إن أفعال العباد ليست مخلوقة، فمن قال: "لفظي بالقرآن غير مخلوق" دخل عليه هذا الالتباس، ولهذا التداخل وعدم الوضوح لكل أحد نهى الإمام أحمد عن ذلك كله فلا تقول مخلوقًا ولا غير مخلوق، كما يظهر أيضًا أن الإمام أحمد كره هذه المقالة ووصف القائل بأن اللفظ بالقرآن غير مخلوق بأنه مبتدع لأن ذلك لم يؤثر عن أحد ممن سبق من الأئمة، وتمسك جماعة من أهل الحديث بقول الإمام أحمد في النهي عن ذلك كله، وخالفهم غيرهم فصار في المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: قول من أخذ بقول الإمام أحمد في النهي عن ذلك كله وهو مذهب كثير من الأئمة من تلاميذ الإمام أحمد مثل ابنيه: عبد الله وصالح، وكذلك المروذي وإسحاق بن راهويه، وابن جرير الطبري، وقد نقل كثيرًا من كلامهم الخلال عن المروذي في آخر كتابه السنة من ورقة (١٩٥ ب - ٢٠٢/ ب)، كما نقل روايات عديدة أيضًا اللالكائي في السنة (٢/ ٣٤٩ - ٣٦٢). القول الثاني: قول من لم يفرق بين التلاوة والمتلو والقراءة والمقروء فيصرحون بأن اللفظ بالقرآن غير مخلوق وهو قول القاضي أبي يعلى في المعتمد كما هو قول شيخه أبي عبد الله بن حامد، وقول أبي نصر السجزي، وأبي عبد الله بن منده، وأبي إسماعيل الأنصاري وغيرهم. القول الثالث: من فرق بين القراءة والمقروء والكتابة والمكتوب والتلاوة والمتلو، فقالوا إن القراءة فعل القارئ وصوته وهي مخلوقة، أما المقروء وهو القرآن فهو كلام الله ﷿ غير مخلوق. وممن فصل هذا القول ووضحه وبينه بيانًا شافيًا الإمام البخاري صاحب الصحيح ﵀، فقد وقعت عليه محنة بسبب ما نسب إليه من القول: إن لفظي بالقرآن مخلوق، فتبرأ من هذا القول، وبين أنه لم يقله، وإنما قال: أفعال العباد مخلوقة، وألف كتابه "خلق أفعال العباد" لبيان هذه =