قال:"لقد أدركنا أقواما إنَّ أحدَهم قد جمعَ القرآنَ وما شعرَ به جارُه، ولقد
أدركنا أقواماً ما كان في الأرض عمل يقدرون على أن يعملوه سراً فيكونُ
علانيةً أبدا".
وكذلك رُوي أن رجلاً قال بحضرة قومٍ من أصحابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأتُ الليلة كذا وكذا، فقالوا:"حظك منه هذا"، وهذا تغليظ منهم شديد في التحدُّث بذلك، فكيف لا تتوفَّرُ دواعي خلقٍ منهم على أن لا يشعر غيرُه بما يحفظه، ولا يرون إظهارَه.
وقد يجوز أيضاً أن يكونوا إنما كرهوا أن يُقال فلان حافظ للقرآن كلّه أو
جامعٌ له أو قرأ جميع القرآن لأجلِ أنه لا يأمنُ قائلُ هذا قد سقط عليه من
الحفظِ أو الدرسِ كلمةٌ أو آيةٌ، أو شيءٌ منه، أو بعضُ حروفه التي أُنزل بها.
فيكونُ إطلاقُ القول لذلك تزيداً في المعنى، فتوَزَعوا عن ذلك، ويمكن
أيضاً أن يكونوا إنما كرهوا أن يُقال ذلك لأجل أنهم كانوا يرون أن المستحق
لهذه الصفة والتسمية هو المتمسكُ العاملُ بجميع حدودِ القرآن، والعالمُ
بأحكامه، وحلاله وحرامه.
وقد روى أبو الزاهدية أن رجلاً أتى أبا الدرداء فقال: يا أبا الدرداء.
إن ابني هذا قد جمعَ القرآن، فقال:"اللهمَّ غفر"، إنما جمع القرآنَ من سمعَ
له وأطاع "، فهذا إنكار يدلُّ على أنّ هذا الوصفَ عندَهم بجمعه إنما