- ويمكنُ أيضاً أن يكون معنى ذلك أنه لم يجمع ما نُسخ منه وأُزيل رسمُه
بعدَ تلاوته مع ما ثبتَ رسمُه وبقيَ فرضُ حفظِه وتلاوته إلا تلكَ الجماعةُ
وحدَها، لأنه قد ثبت أنه قد كان أُنزل قرآن نُسخ رسمُه، وأُزيلت تلاوتُه.
- ويجوزُ أيضاً أن يكونَ معنى ذلك أنه لم يجمع جميعَ القرآنِ عن رسولِ
الله - صلى الله عليه وسلم - ويأخذَه مِن فِيه تلقِّياً غيرُ تلك الجماعة، فإنّ أكثرَهم أخذَ بعضه عنه وبعضَه عن غيره.
- ويُحتمل أيضاً أن يكونَ معنى هذا القول أنه لم يجمع القرآنَ على عهد
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ممن ظهرَ به وأبدى ذلك من أمره وانتصَبَ لتلقينه عن تلك الطبقةِ المذكورة، مع جوازِ أن يكونَ فيهم حفّاظٌ لا يعرفهم الراوي إذا لم يظهر ذلك منهم.
هذا ما لا بدَّ من صرف الأخبار إليه إن ثبتَ وحملِها عليه، لأجلِ ما
قدمناه ولأجلِ تظاهُرِ الرواياتِ أيضاً بما يوجبُ ويقتضي حفظَ الأئمةِ الأربعة
لجميع القرآنِ على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وإحاطتِهم به، ولأجلِ أنّ هذا هو الواجبُ من حالهم في العادة وما كانوا عليه من الأحوال في السبق إلى الإسلام والتقدُّمِ وإعظامِ الرسول لهم وما تُوجبه العادةُ في مثلِهم، وتأمينِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم وتقديمِه إياهم، وما رُوِيَ من طُول قراءتهم وكثرةِ تعليمهم الناسَ القرآنَ له عنهم، وهم عندَنا أولى الناسِ بحفظِ كتاب الله، وأحقُّهم بالسبق إلى ذلك، والرغبةِ عن الإبطاء عنه والتمادي فيه، مع ما كانوا منصُوبين ومُرشَّحين له، ومع ارتفاعِ أقدارهم وعلو شأنِهم، وامتدادِ الأعينِ والأعناقِ إليهم، وتعويلِ النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوائبِ والمهمّاتِ عليهم.