إلا من أخذه وجمعه مِن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأه عليه لما لا يُؤمَنُ من الغَلَطِ بكلمة أو آية أو حرف أو قراءةِ شيءٍ منه بوجهٍ لا يجوز ويسُوغ مثلُه.
وإذا كان ذلك كذلك وجبَ حملُ الأمرِ في إنكارِ هذه الألفاظِ والامتناعِ
من هذه الإطلاقات، ودعوى القومِ حفظَ القرآن والحملَ له والإحاطة به:
على الوجوه التي ذكرناها دون ما ظنّوه وتوهّموه من سقوط شيءٍ من القرآنِ
على سائر الأمة أو عدم حافظ لجميعه فيهم، وكونه غيرَ مشهورٍ ظاهرٍ بينهم.
وإذا كان ذلك كذلك كان هذا أيضاً أحدَ الأسبابِ المانعةِ من العلم
بجميع عدد حَفَظةِ القرآنِ على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وما يُنكر أيضاً على هذا الأصل أن لا يُعرف ذلك بعد موته، لأنه لا يُنكرُ أن يحفظه بأسره قومٌ منهم، وماتوا بعدَ موتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يُطلع على ذلك من أمرهم وإن عُلم في الجملة أنهم من حَمَلةِ القرآنِ ودَرَسَتِه، وهذا يمنعهم من التعلق بما ذكروه منعاً عنيفاً.
فإن قالوا: فما تأويلُ هذه الأخبارِ المرويةِ في تحديد عددِ حَفَظةِ القرآن
على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قيل لهم: يَحتمل أن نُثبتَ وجوهاً من التأويل، فمنها:
- أن يكونَ معنى قولهم: ما جمع القرآنَ على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أربعةُ نفرٍ أو خمسة أنه لم يجمعه على جميع الوجوهِ والأحرفِ
والقراءاتِ التي نزل بها وخبر الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أنها كلها شافٍ كافٍ إلا أولئكَ النفرُ فقط، وهذا غيرُ بعيد، لأنه لا يجبُ على سائرهم ولا على أولئك النفر أيضاً أن يحفظوا القرآنَ على جميع أحرفه ووجوهه السبعة.