غزوة تبوك، قال: فبَرَزَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ الغائط، فحملَ معه إداوة قبلَ الفجر، فلما رجعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أخذتُ أُهْرِيقُ على يده من الإدواة، وهو يغسلُ يدَيه ثلاثَ مرّات، ثمّ غَسَلَ وجهَه، ثم ذهب يَحسِرُ جُبّته عن ذراعيه، فضاق كِمامُ جُبّته، فأدخل يده في الجُبّة حتى أخرجَ ذراعَيه من أسفل الجُبّة، وغَسَلَ ذراعيه إلى المِرفق، ثم توضّأ ومسحَ على خُفّيه، ثم أقبل، قال المغيرةُ: ثم أقبلتُ معهُ حتى نجدَ الناسَ قدَّموا عبد الرحمن بن عَوف قد صلّى بهم، فأدركَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إحدى الركعتين وصلّى معه الناسُ الركعة الآخرة، فلما سلّم قام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأتمَّ صلاتَه، فلما قضى صلاته أقبلَ على الناسِ يُعلِّمُهم، ثم قال:"أحسنتم "، يَغبِطُهم أن صلُّوا الصلاةَ لوقتها، قال المغيرة: وفي رواية أخرى: فأردتُ تأخير عبد الرحمن فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهم".
ولولا أنّ عبدَ الرحمن كان أقرأَ أهل تلكَ الغَزاةِ وأشهرَهُم بذلك أو كان كأقرئهم
وأكثرِهم قرآناً لم يُقدِّموه ويعدلوه عمّن هو أقرأ منه وأحقُّ بالتقديم، ولولا
علمُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك لم يقرهم على ذلك، ولم يُخَلِّهم من التنبيه والتصريح على وجوب تَقدِمة غيره وأنّهم قد عدلوا عن الواجبِ أو الأفضل وهو يقول:"يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتابِ الله " و"أئمتكم شفعاؤُكم "
و"أئمتكم خِيارُكم ".
وفي تركِه لهم وقوله:"أحسنتم " أوضحُ دليل على فضلِ عبد الرحمن، وأنّه كان يومئذ من حملةِ القرآن، وأهلا للإمامة والتقدُّم بالناس، فإذا كان ذلك كذلك زالت هذه الشُّبهة، ووجبَ صحةُ ما قلناهُ من
موجَبِ العادة والأخبار المتظاهرة التي قدَّمنا ذكرَها في حفظ أفاضل الصحابةِ
والأماثل منهم لجميع كتابِ الله تعالى قبلَ موت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن الأخبار المروية في نقيض ذلك محمولةٌ على ما ذكرناه وبيّنّاه مِن قبل.