وإذا كان ذلك كذلك وجبَ حملُ قراءةِ عبد الرحمن على عبد الله على
هذا التأويل، مع أنّ عبد الله بن عباسٍ قد صرَّح بهذا المعنى عن نفسِه، في
خبرٍ آخرَ وردَ من هذا الطريق، فروى معمرٌ عن الزُهريِّ عن عُبَيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن ابن عباس أنّ عبدَ الرحمن بن عَوفٍ رجعَ إلى منزله بمنى.
قال ابن عباس: "وكنت أُقارىءُ رجلاً من المهاجرين، فكان عبدُ الرحمن
ممن أقارىءُ، فوجدني عبد الرحمن بنُ عَوفٍ في منزله أنتظِرهُ في آخرِ حجَّةٍ
حجها عمر، فقد صرَّح عبدُ الله بأنّه كان يُقارىءُ الصحابة، والرجلُ لا
يقارىء إلا الحَفَظة، ولا يقارىءُ مَن لا يحفظ أو مَن هو دونَه، فوجبَ حَمْلُ
الخبر على ما قلناه، على أنّ اختلافَ عبدِ الله إلى عبد الرحمن إلى منزله
وانتظارَه له يدُلُّ على أنّه كان يقصِدُه ليتعلَّم القرآن منه ويُذاكِرَه به، لأنّ العادة لم تَجْرِ بقصد الملقِّن إلى المتعلِّم وانتظارِه إلا عادة الأجراء والمتكسِّبين
بإقراء القرآن، والصحابةُ أجلّ قدرا من أن يُنسَب أحد منهم إلى ذلك، فإذا
كان هذا هكذا سقطَ ما ظنه السائل.
ومما يدُلّ أيضاً على تعظيمِ منزلةِ عبدِ الرحمن وشدّةِ تقدُّمه، وأنّه كان
من المشهورين بحفظِ القرآن ومن أقرأ الناسِ وأكثرِهم قرآناً ما رواه الناسُ
من تقدُّم عبد الرحمن بن عَوف رضيَ الله عنه للصّلاة بالناس وصلاة النبيِّ
- صلى الله عليه وسلم - خلفَه، وذلك من المشهور المدوَّن في كتب فقهاء الأمصار.
وقد روى عُروةُ بن المُغيرة عن المغيرة بن شُعبة أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -