أنّ عبيدَ الله بنَ عبدِ الله بن عُتبةَ بن مسعود أخبره أنّ عبدَ الله بن العباس أخبره أنه كان
يُقرىءُ عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمرَ بن الخطّاب، قال: فلم أرَ أحداً
يجدُ من القَشْعَريرة ما يجدُ عبدُ الرحمن عند القراءة، قال ابن عباس: فجئتُ
ألتمسُ عبد الرحمن يوماً فلم أجده، فانتظرتُه في بيته حتى رجعَ من عند عمرَ
وهو يومئذ بمنى آخرَ حجة حَجها عمر، وهذا خلاف موجَب أخبارِكم
والعادة التي وصفتم.
يُقال لهم: فظاهرُ تلك الأخبار وما ذكرناه من موجَب العادةِ في مثل
عبد الرحمن في فضله وتقدمه ونُبْله يُوجِب المصيرَ إلى ما قلناهُ من وجوبِ
حفظِهِ القرآنَ وإيقاف خبرِكم هذا، وإحالة علم طريقه وتخرُّجه على الله
سبحانه الذي هو أعلمُ به، فإما أن نتركَ ما وصفناه من المتيقن لأجله، فذلك
غيرُ سائغ، على أن الخبرَ إن صحَّ وثبتَ فمعناه محمول على موافقة ما ادّعيناه، وذلك أنّ الناسَ كانوا يتحفَّظون القرآن بأن يقرؤوه على الحفّاظ.
وبأن يقرأه عليهم الحافظ، ويأخذُونه من لفظِه، وفي الناس إلى هذا الوقت
مَن ذلك أسهل عليه وأقربُ إلى فهمه، وأكثرُ من يعملُ ذلك إنما يعمله
ليأخذ نمطَ القارىء الحافظ ويسلكَ في القراءة سَنَنه، ويتّبعَ ألفاظه، وكذلك
كان الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -، إنّما قرأ على أُبيٍّ على وجهِ التخصيصِ والتعظيم ليأخذ أُبيُّ طريقتَه، ويحكي لفظه، ويقفُوَ أثره، وكذلك ذُكر عن أُبيٍّ وابن أُبي.