للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعدُ، ما ندري مَن قال إنهم لم يحفظوا جميعَ القرآن على عهد رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدٌ غيرُهم أنّ ما قاله على ما ذكره، وقد بيّنّا مِن قبلُ

أنّهم كانوا يحفظون ولا يُمارون ولا يتحدَّثون بذلك، ولا يُشعَرُ به من

أحوالهم، خوفَ المدح في الطاعة، وإيثارَ الاستسرار بفعل الخيرِ والتقرُّبِ

إلى الله تعالى، وإذا كان ذلك كذلك، وكانت هذه الأخبارُ التي اعترضُوا بها

تحتملُ من التأويل ما قد ذكرناه وجبَ حملُها إن صخَت على موافقةِ

موجَبِ العادة في باب الصحابة والأخبار المشهورةِ التي قدَّمنا ذكرَها في

حفظ هذه الجماعة وغيرها للقرآن، وهذا بتنٌ في زوالِ الشُّبهة بما تعلقوا به.

وإن هم قالوا: إن موجَبَ العادة التي وصفتُم في أمرِ الصحابة لأجل

سبْقِهم وجهادِهم وحرصِهم على نُصرةِ الدين وحفظِه والأخذِ بمعالمِه.

وتقديمِ الأعظمِ فالأعظم، والأهمِّ فالأهمِّ منه يُوجِبُ حفظَ جميع الفُضلاء

الأماثل منهم للقرآن، وأنّهم لا يتأخَّرون عن ذلك لقاطعٍ يصُذُهم وأمبر يكون

التشاغلُ به أولى وأهئمَ من التشاغل بحفظِ القراَن.

قيل لهم: أجل، كذلك تُوجِبُ العادةُ والحالُ عندَنا في أمرِهم.

فإن قال: كيف يكونُ ذلك كذلك وقد رُوِيَ عن عبدِ الله بن عباس أنه

كان يُقرىءُ عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمرَ بن الخطّاب، وعبدُ

الرحمن عندَكم من الفضل والسابقةِ والجهادِ والعلمِ والسِّنِّ والعَناءِ في

الإسلام ولحوقه بالطبقة الأوَّلةِ من الصحابة بالمحلِّ المعروف، وعبدُ الله مِن

حَداثةِ السنِّ وقرب العهدِ بحيثُ يعرفون، وقد روى الزُّهريُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>