- ويُحتملُ أن تكونَ روايةُ الشَّعبيِّ وغيرِه ممن رَوى مثلَ روايته أنَّ أبا
بكر وعمرَ وعليّا عليهم السلام لم يجمعوا القرآن أنّهم لم يجمعوا ناسخَه
ومنسوخَه، ولم يجمعوهُ بجميع قراءاته وحروفه التي أُنزلَ عليها.
- ويُحتمل أيضاً قولُ عبد الله بن مسعود في البقرة والشعراء أنّهما ليستا
عنده وأنه لا يحفظهما، وقولُ زيد بن ثابت لعُبيد بن جبير:"لستُ أحفظُ
الأعراف " أنهما لا يحفظان ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنّهما لم يقرآ هذه السورةَ عليه ولا أخذاها مِن فِيه بغير واسطة، وإنّما حفظاها عمن أخذ عنه، فلذلك قال عُبَيدُ بن جُبَير:"فقرأتُ الأعرافَ على زيد فما أخذ عليَّ ألفاً ولا واوا". يعني أنه لم يحفظ عليه فيها غلطا واحداً ولا عرف، ولولا أن زيدا كان يحفظُ الأعراف كيف كان يجوزُ أن يأخذ عليه فيها الغَلط، وليس يُنكَر أن يكونَ لم يتفق لهما جميعاً ولا لغيرهما من الأمة أن يكونا
حفظا جميع القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمعاه منه، وإن أخذا عنه
الأكثر وسمعاه منه وأخذا باقي ذلك وسمعاه ممن أخذ عنه وسمع منه، وإذا
كان ذلك كذلك ساغ هذا التأويل أنّ أحداً لم يجمع القرآن على عهدِ رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يُريدون هذا أو بعض ما تقدَّم.
ويمكن أيضاً أن يكونَ كلّ واحد من هؤلاء النفر قد سُمع منه قبلَ موتِ
النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبِّرُ عن نفسه أنّه لم يجمع القرآن، وإنّما كانوا يقولون ذلك - وإن حفظوا جميعَ ما نزل - لما لا يأمنون من نزول ما ينزل بعد ذلك، وعلمِهم بأنّ الوحيَ ونزولَ القرآن غيرُ مأمونين منه ما دام الرسولُ حيّاً، فامتنعوا لذلك أن يقولوا:حَفِظنا جميعَ القرآن، وإن كانوا قد حَفِظوا جميعَ ما أُنزل على الرسول إلى وقتِ سُمِعَ منهم هذا القول.