على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة.
وعدَّ معاذ بن جبل وأُبيّاً وعبد الله وزيدَ بن ثابت "، وهذا معارِض لما رُوِيَ عنه من أنّه لم يجمع القرآنَ أحدٌ في حياة الرسول، فيجبُ إذا كان ذلك كذلك اطِّراحُ هذه الأخبار، والرجوعُ إلى ما ذكرناه من الأخبارِ الثابتة ومُقتضَى العادة في مثل الصحابة.
على أنّنا لو سلَّمنا للسائل صحةَ هذه الأخبار التي تعلق بها وسلامتَها من
التخليط والفساد، وأحللناها محلَّ الصحيح الذي رويناهُ في حفظِ الجماعة
التي تقدَّم ذكرها للقرآن لوجبَ حملُها على وجوه من التأويلاتِ توافِقُ
موجَبَ الأخبارِ بالعادة التي ذكرناها، فإنها كلَّها معرَّضة لتأويلٍ لا يُخالف ما
قلناه، فمنها:
- أن يكون معنى قولهم إنّهم لم يحفظوا الفرآنَ أنّهم لم يحفظوا جميع ما
نزل من ناسخِه ومنسوخِه الذي سقط رسمُه وزالَ فرضُ حفظِه بعدَ ثبوته.
وهذا ليس ببعيد، لأنّهم لا يجبُ عليهم ولا على غيرهم أن يُعنَوا بحفظِ ما
نُسخَ ورُفع رسمُه، ويكونُ معنى قول خارجة بن زيد: "جمعه أو أكثرَه بعد
ذاك "، أي: جميعَ المنسوخِ المُزال فرض رسمِه وتلاوته أو أكثرُه بعدَ وفاة
الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
- ويُحتَمَلُ أيضاً أن يكونَ معنى ذلك أنّ هؤلاء الأربعة لم يحفظوا جميعَ
حروف القرآنِ السبعةِ التي أُنزل عليها، وأخبر الرسولُ عليه السلام أنه أقرىءَ بها، ولا أحاطوا بجميعها ولا أحدٌ غيرُهم أيضاً من الأمّة في حياةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثمّ جمعَ ذلك منهم من يعمل بحفظها وأخذ نفسَه بها كأبُي وغيره من المبرزين في حفظ القرآن على جميع وجوهِه وأحرفه.