وقلَّت دواعيه في تعلُّم القرآن وتحفُظه أو لحقه عند ذلك من الأنفة والحميّة وعزّة النفس وكراهة الغلبة عند المناقشة والمشاحة والهرب من عارِ القهر ونسبته إلى السهو والغفلة وسوء الفهم وجلافة الطبع وقلّة الحفظ والضبط، ما يكونُ أدعى الأمور إلى الزهد في الإسلام جملةً والرغبة عنه، ومتى أمكن أن يكونَ هذا أجمعُ مما قد سبق في علمِ الله سبحانه، بطل بذلك طريقُ من توهَّم أنّه لا وجه لإنزال القرآن بسبعة أحرفٍ إلا الاستفساد للعباد والتهارج والفساد وهذا ما لا مدخل لهم عليه.
ثم يقال لهم: فيجب على اعتلالكم أن لا يُنزلَ الله سبحانه في كتابه
مجمَلاً ولا محتملاً ولا متشابهاً بل يجعله كلُّه نصّاً جليّاً، لأنّنا نعلم أنّ في
الناس من يُلحد في تأويله ويتعلّق بمتشابهه ويُلبسُ ويوهمُ الباطل في التعلُّق
بمجمله ومحتمله، وهذا أولى مما قلتُم وأقربُ لو كنتم مقسطين ولأنّ الله
سبحانه قد نصّ على هذا، والذي قلناه من فساد خلقٍ بمتشابهه ولم ينصّ
على ما ادّعيتم من فساد قومٍ بإنزاله على سبعة أحرف، ولا رأينا هشام بن
حكيم ولا أبياً ولا عبدَ الله، ولا من خالفهم كفروا ولا ارتدُّوا عند الترافعَ
إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بل استجابوا لقوله وخنعوا لطاعته، ورضوا جميعا بما أقرّهم به على اختلافهم.
وقد قال سبحانه فيما عارضناكم به:(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) .
فكان يجبُ على موضوع اعتلالكم أن لا يُنزلَ من القرآن متشابهاً يُبتغى العسر به ويُلبس على العباد في تأويله ويُلحد في صفات الله سبحانه عند تنزيله، فإن لم يجب هذا عندكم
فقد بطل جميع ما أوردتموه في هذا الفصل بطلاناً بيّنا، وبان لكم أنّ هذا