الضرب من الطّعن في نقلِ القرآن وإنزاله من مطاعن الملحدين على الله
وعلى رسوله وعلى جملة كتابه وتفصيله، وهكذا فعلَ الله سبحانَه بمن صدّ
عن دينه وصدفَ عن صحيح النظر في براهينه، واشْرأبّ قلبُه إلى التعلّق
بالشبهات والميل إلى الزيغ والضلالات.
فإن قالوا: أفليس قد رويتم أنّ الذين بعث عثمان رضي الله عنه على
جمع الناس على مصحفه، وقراءته والمنع من باقي الحروف التي أنزلها الله
جل وعز ما حدثَ في عصره، وشدّة الاختلاف والتشاجر والتبرِّي والإكفار
في القراءات بهذه الحروف المختلفة، فألا علمتُم أنّ إنزالَه على سبعة أحرفٍ
سببٌ لما قلناه؟
يقال لهم: ليس الأمرُ في هذا على ما وصفتم، لأن القومَ عندنا لم
يختلفوا في هذه الحروف المشهورة عن الرسول صلى الله عليه التي لم يمُت
حتى عُلم من دينه أنه أقرأ بها وصوب المختلفين فيها، وإنما اختلفوا في
قراءاتٍ ووجوهٍ أخر لم تثبت عن الرسول عليه السلام ولم تقم بها حجّة.
وكانت تجيء عنه مجيءِ الآحاد ِ وما لا يُعلمُ ثبوتُه وصحتُه، وكان منهم من
يقرأ التأويل مع التنزيل نحو قوله: والصلاةُ الوسطى، (وهي صلاة العصر) .
فاؤوا (فيهن) ، ولا جُناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم (في مواسم
الحج) ، وأمثال هذا ممّا وجدوه في بعض المصاحف، فمنعَ عثمانُ من هذا
الذي لم يثبت ولم تقُم الحجّة به وأحرقه وأخذهم بالمُتيقّن المعلوم من
قراءات الرسول عليه السلام.
فأما أن يستجيز هو أو غيرُه من أئمة المسلمين المنعَ من القراءة بحرفٍ
ثبت أنّ الله أنزلَهُ ويأمرَ بتحريقه والمنع من النظر فيه والانتساخ منه، وتضييق
على الأمة ما وسّعه الله تعالى، ويُحرمُ من ذلك ما أحلّه اللهُ ويمنعُ منه ما