أطلقَه وأباحه، فمعاذَ الله أن يكون ذلك كذلك، لماذا كان هذا هكذا سقط ما قلتُموه، على أننا لو سلَّمنا لكم نظرا أن أهل عصرِ عثمان رضوانُ الله عليه اختلفوا في هذه الأحرف السبعة، وأدَّى ذلك خلفا منهم إلى البراءةِ من
أهل الحقً، لم يجب أن لا ينزلَ الله سبحانَه القرآنَ بها إذا علم أن من يصلحُ
بقراءته بها على اختلافها أكثرُ ممن يُفسد، أو أنه لا أحد يفسدُ عنه ذلك إلى
- زمن عثمان، فيسوغُ حينئذِ لعثمان على قول بعض الناس أخذُه للأمة ببعض تلك الأحرف والمنعُ من باقيها لأجل حدوثِ ما حدث مما لم يكن من قبل.
أو لعله سبحانه قد علم أنه لو لم يُنزِل القرآنَ على سبعة أحرف كان
منكرُ حرفِ منها والمختلفين فيها يُعرِضون عن الإسلام جملةَ والانخلاع من
الإيمان وإلى أن يكونوا حربا للرسول صلى الله عليه وإن اختلافهم في
القراءات أسهلُ من اليسير من ذلك.
فإننا نُنكر عليكم ونقولُ لكم: فيجبُ على اعتلالكم أن لا ينزلَ اللهُ
سبحانه المتشابهَ المحتملَ من كتابه لموضع إخباره باتباع أهل الزيغ لما تشابه
منه ابتغاء الفتنة والإلحاد في تأويله، فإن لم يلزم ذلك لم يلزم شيء مما
قلتموه، وقد بينا - رحمكم الله - في غير موضع من الكلام في التعديل
والتجويز أنه لا يجبُ على الله استصلاح جميع خلقه، وفعلُ أصلح الأمور
لهم، والمساواةُ في اللطف لجميعهم، وأنه لا يصح منه أن يَضر بعضهم
ويطبعِ على قلبه ويختم على سمعه وبصره، وأنَّه قال سبحانه فى كتابه: إنه
(هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) ، وقال في أخرى: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى)
وقد بينا ذلك بما يُغني الناظرَ فيه، ولولا أننا لم نصنع كتابنا لهذا الفن
من الكلام لأسهبنا في ذلك، غير أنه مخرج لنا من غرض الكتاب، وفيما
أجبناهم به بلاغ وإقناع.