عن الحق، وسُعُر هو نفسُ ضلالِهم عن الحق، وإنَّما سَمى أعمالَهم سُعُراً
على معنى أنّه يستحقُ بها الكونَ في السعير، كما قال: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) ، يعني على عملِ أهل النار فلا حجّة في الآية، وعلى
أنه لو كان الأمرُ على ما ذكَروه لصارَ تقديرُ الكلام إن المجرمينَ في عذابٍ
لأن السعيرَ نفسَه عذاب، وهو يُغني عن ذكرِ العذاب، وهذا مستثقل مستغثٌ من الكلام، فوجب أن يكون قولُه: في ضلالٍ يعني ذهابٍ عن الحق، وفي سُعُر من أعمالِهم هذه، أو سيكونُ في سُعُرٍ يوم القيامة، وعلى أنه سَمى العذابَ ضلالاً فعلى معنى أنَّه ذاهب بصاحِبه عن الثواب واللذات، فهو راجع إلى الذهاب عن الجنَّة على وجه الشبه بالذهاب عن الحق، والأمرُ
المقصود الذي فيه السلامةُ والنجاة.
وقيلَ إن الضلالَ يكونُ بمعنى الهلاكِ بدلالةِ قوله: (أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ) ، أي: هلكنا، وقد يمكنُ أيضا أن يكونَ ضلالُهم في
الأرضِ ذهاب عن مواضعَ مقصودةٍ فيها المصالحُ والرشادُ وإن سُلِّم أن
الضلالَ بمعنى الهلاكِ والبِلى في القبور، فذلك غير ضار ولا نافعٍ للملحد
ولا لقدريٍّ على ما سنُبينه إن شاء الله.
وقيل إن الضلالَ يكونُ بمعنى الغفلة، ومنه قولُه: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) .
وقولُه: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) .
أي: تَغفلُ إحداهما، ووجدكَ غافلاً على النبوة، فهداكَ إليها وشرف قدرك بها، وهذا أيضا عائد إلى معنى الذهاب عن الشيء
وذلك أن غفلةَ إحداهما التي خِيفت إنما هو ذهابُها عن ذكرِ الحق وإقامة
الشهادة عليه بحسب الصواب، وما يجب في التحفل والأداء، والذهابُ عن
ذلك بالغفلة ذهاب عن الحق، كما أن الذهابَ عنه بالقصدِ والاعتماد ذهاب
عن الحق، غير أن إحداهُما معتمد، والآخرُ غيرُ معتمد.